تقارير مصورة 

إغلاق سقايات السبيل بالعاصمة الإسماعيلية جريمة في حق التراث أم ترشيد النفقات ؟

إغلاق سقايات السبيل بالعاصمة الإسماعيلية جريمة في حق التراث أم ترشيد النفقات ؟

مكناسة الزيتون العاصمة الإسماعيلية مهد البناءات والعمارة الإسلامية ذات الطابع العلوي الشريف،قرة عين ملوكنا الميامين منذ السلطان أبي النصر المولى إسماعيل إلى عهد ملكنا الزاهر سليل الدوحة والبضعة الشريفة مولانا الملك المعظم جلالة الملك محمد السادس نصره الله.

هذه البقعة السعيدة تزخر بثرات إنساني حضاري ومعماري تاريخي وافر،وتحفل جناباتها وفي كل موطأ قدم أسوار شاهقة وأبواب ضخمة ومساجد تليدة رائقة الزخرف والبناء وقصور فسيحة ورياضات غناء وأسواق عامرة وأضرحة ومزارات كثيرة وفنادق أصيلة إضافة إلى سقايات السبيل المنتشرة كالفطر في أزقتها في تناغم بديع مع باقي مكونات الحومة المكناسية وهي الحمامات والأفرنة التقليدية وفي بعض الأحيان المراحيض العمومية. الشيئ الذي أثار إنتباه منظمة اليونيسكو وأصبغت عليها صفة العالمية وعدتها من ضمن المدن المصنفة ثرات عالميا للإنسانية في دجنبر1996.

ومنذ القدم أسرت هذه المدينة قلوب الناس الخاص والعام فهذا إبن الخطيب يصف مكناسة بلدة خصيبة ذات عيون وأنهار وثمار كثيرة وأشجار في قصيدته الشهيرة مطلعها كالتالي:

ـ حييت يا مكناسة الزيتون.........قد صح عذر الناظر المفتون.

ـ طيب الهواء وصحة الماء الذي ........يجري بها وسلامة المخزون.

وهذا ابن عبدون يتغزل في محاسن هذه البلدة المباركة مكناسة الزيتون :

ـ إن تفتخر فاس بما في طيها....... وبأنها في زيها حسناء.

ـ يكفيك من مكناسة أرجاؤها ...... والأطيبان هوائها والماء.

فهذه الحاضرة حباها الله وميزها بمياهها العذبة الزلال وصحة الهواء وسلامة المخزون،فالمدينة إلى عهد قريب كانت تؤثتها سقايات السبيل الجارية المياه في كل فصل وزمان فلا تكاد زنقة أو حي لا يضم سقاية تروي عطش السكان والمارة وابن السبيل والسياح وتطفي بهجة وسرور على الناظر بإعجاب لرونق وجمال عمارة هذه التحف.فلا تخلو سقاية من مختلف فنون الصنعة التقليدية من زليج ونقش على الخشب والجبص والمرمر النافع البياض وغير ذلك من أرقة الصنائع بحيث بلغ عددها السبعين سقاية دون احتساب السقايات وال داخل المساجد والأضرحة والرياضات وقصور المدينة،فهذه الظاهرة الإجتماعية ذات النفع العام عرفت النور منذ العهد الموحدي(541 ــ 668 ه) وذلك بإحداثها في الأحياء السكنية مع بناء النواة الأولى للمدينة بعدحصن تاكرارت المرابطي،غير أن معظمها تهدم كسقاية الذهب قرب قنطرة دردورة المعروفة من قبل بقنطرة إبن يشو هذه السقاية إهتم بشأنها السلطان المولى إسماعيل اهتمام زائد حتى حبس عليها عدة أوقاف من رباع وعقار وذلك لإصلاح الماء المجلوب لها. ولم يبقى منها اليوم إلا النذر القليل كسقاية العدول والقرسطون وسيدي علي منون وسقاية التوتة وسقاية المتحف أو السقاية الكبرى كما جاء في التقييدات الحبسية،وسقاية سبع عنانب المرينية التي وقف عليها السلطان المريني أبو الحسن وزارها بعد الفراغ من بنائها واستحسانها ويحكى انه إذا جاء أحد لياخذ منها الماء وتكسرت آنيته عوض عنها بأخرى مجانا وذلك من وقفا حبسا على هذه السقاية الموحدية والمرينية والعلوية التي اندثرت مع توالي الحقب والعصور وبطش اليد البشرية.

لكن رغم الزخم التاريخي الحضاري الإنساني ورغم التصنيف العالمي للمدينة كثراث من طرف اليونيسكو ورغم تطبيق مجموعة من البرامج سواء برنامج إعادة الهيكلة للمدن العتيقة أو برنامج (مدن 2030) الذي تبناه المجلس البلدي بشركة مع البنك الأوروبي للإستثمار .ورغم مخططات وزارة السياحة وجميع المتدخلين التي تطول برامجهم ومشاريعهم في جميع الميادين ورغم دعاة الإصلاح الموسمي من منتخبين وبرلمانيين تبقى دار اللقمان على حالها ،فالمدينة العتيقة تعيش أزمة غير مسبوقة وجريمة إنسانية مرتكبة في حق تراثها وأصالتها ومميزاتها التي تغني بها الشعراء والمؤرخين والكتاب والخاصة والعامة وهي إغلاق صنابير السقايات السبيل وقطع مياه الرحمة عن الساكنة والسياح والدواب وأضعف الإيمان مخلوقاته بداعي ترشيد النفقات والذي يحز في النفس هو الحالة التي أصبحت عليها معظم هذه السقايات حيث أصبحت مرتع للأزبال والقارورات وبعضها آيل للسقوط بل تم الإستيلاء على بعض السقايات كسقاية الشريشرة الموحدية التي أصبحت دكان لبيع الملابس بل أكثر من ذلك أصبحت ملكا خاصا ومستودعا لمختلف السلع والدراجات في أبشع صور الاعتمار والإستغلال الغير القانوني بل الغير الإنساني والغير المسؤول أمام التراث والأماكن التاريخية،فيكفيك جولة بداخل المدينة يصطدم الإنسان بهذه الكارثة.

فسقاية سبع عنانب البديعة مهددة بسقوط سقفها من بناياتها المرينية حيث جددت في عهد السلطان العلوي مولاي يوسف وهي الآن في صورة دمرت معالمها ورونقها وأصبحت خربة مليئة بمختلف النفايات والتي تعد مرجعا في فن الخشب المعماري لنظارة سقفها المتميز وكذلك الشأن بالنسبة للسقاية الكبرى سقاية المتحف دار الجامعي في بطحاء الهديم فرغم تجديدها في عهد المولى يوسف سنة 1332 هـ كما يدل ما هو منقوش في أعاليها وأجرى المياه بها بحيث أصبحت تحفة بل أيقونة الفن الراقي من خشب معماري وزليج وفسيفساء ورخام يسر الناظرين بل إنبهر بها أكبر الرسامين المستشرقين خلفوا لنا لوحات تشكيلية مرجع في فن الرسم الشرقي وكذلك الفتوغرافيين فنجدها في البطائق البريدية القديمة كرمز للمدينة لكن وضعها الحالي يبكي أشد الرجال ويشيب سواء الغربان.فكيف لهذه التحفة أن يصيبها كل هذا الإهمال وتشوه معالمها الأنيقة وتصبح ملاذ المتشردين والمختلين عقليا والباعة المتجولين في إحتلال سافر لجنباتها إضافة إلى التبول ورمي الأزبال والذي يدمي القلب أنها في واجهة ووسط أنشط الأحياء بمكناس سياحيا،إقتصاديا،وعمرانيا.

إن هذه الصورة التي أصبحت عليها السقايات نكون قد وقفنا في إعادة تأهيل المدينة سياحيا عمرانيا وإقتصاديا؟ ليطرح السؤال هنا، هل هناك مؤامرة للقضاء على معالم المدينة ؟ أين تقف المسؤولية عن ذلك ؟ التي لاتراعي لا للاتفاقيات الدولية ولا شراكات ولا أعراف محلية و لاتاريخ ؟ لماذا الزائر لمدن روما ـ باريس ـ بروكسيل ـ لندن ـ إشبيلية وأي بقعة في العالم المتقدم يلاحظ نافورات وسقايات تجري بمياهها النظيفة سليمة المنظر وبأدق التفاصيل رغم أنها تعود لعصور عابرة ! لماذا هذا الغبن والإستهتار فقط عندنا نحن الدول النامية ؟ فمدينة سان سبورغ مدينة النافورات والسقايات والحدائق تخصص ميزانيات ضخمة لتسيير هذه المرافق وتوظف أطر ومهندسين وأعوان مختصين يسهرون ليلا نهار على خدمتها كخلايا النحل لماذا لا نأخذ تجارب الأوروبيين في هذا الميدان على معمل جد ونستثمر في تاريخنا وتراثنا الإنساني ونعطي صورة متقدمة عن وطننا ومدينتنا وحينا للسياح والأجانب ؟ لماذا هذا الإستهتار واللامسؤولية لدى المسؤولين بمدننا : منازل آيلة للسقوط ـ سقايات بدون مياه أحياء بكاملها مهملة هل ترشيد النفقات على حساب التراث الإنساني والحضاري حل ؟

نتمنى أن تعود الحياة لهذه السقايات وتعود البسمة للمواطنين ونظرة الإعجاب والتقدير لدى السياح.ولا ننتظر سقوط سقف سقاية أو كارثة لاقدر الله تزهق الأرواح لتولد لنا زوبعة في فنجان من لجن ودراسات وتعبئة موسمية إلى أن تهدأ العاصفة. إلى هناك أتمنى ان تستيقظ العقول الغيورة والقلوب الحنونة على هذه المدينة وتنقشع غيوم المزايدات والحسابات الضيقة لدى المسؤولين وذلك بإحيائها وجريان الماء بها وتوظيف قيمين عليها فالمدينة تحتضر سياحيا واقتصاديا إن لم نقل وداعا يا مكناس فكيف السبيل لإعادة بريقها وأمجادها سؤال يبقى مطروحا لدى الفاعلين والمجتمع المدني بمكناسة الزيتون.

بقلم : علي زيان

صور بعدسة  : علي زيان

 تعليقات الزوار عبر الفايسبوك 

 إعلانات 

 صوت و صورة 

1  2  3  4  5  6  7  8  9  المزيد 

 إعلانات 

 إنضم إلينا على الفايسبوك