آخر الأحداث والمستجدات 

محسن الأكرمين يكتب : عَمِّي عَلِي مُولْ المَلْبَنَةِ الأولى بحي الزيتون

محسن الأكرمين يكتب : عَمِّي عَلِي مُولْ المَلْبَنَةِ الأولى بحي الزيتون

عرفناه ونحن صغار السن بحي الزيتون الكبير. عرفنا بتلك الابتسامة الطيعة، والتي كانت ولا زالت لا تفارق ملمحه البهي بنور التقوي. كان يَعرفنا جميعا بأسمائنا وعشائرنا، وحتى تسلسل شجرات الأسر وامتداداتها بالحي، وكم تكون فرحته حين نتجمهر أمام الملبنة طلبا لما لذَّ وراقنا من معروضاته الجيدة من الحلويات، والنظيفة من مشتقات الحليب. 

 

السيد (علي) هذا اسمه، وكما عهدناه بالاحترام، فقد كان خطابنا له بالأدب: (عمي علي)، وهذا الاسم لازال يكبر معنا كلما التقينا الرجل بنور يتنطع من طيبوبته وفرحته بنا، وكأننا لا زلنا صغارا في عينيه الوضاحتين. ملبنة (عمي علي) كانت من الجيل الأول، والتي اقتحمت حي الزيتون (حينذاك العصر) بالمجازفة والتحدي المسبوق، حيث كان الحي لازال يحمل أثرا من الحي الفلاحي وتربية الماشية. ملبنة تقع بمواجهة البنك الشعبي بتجزئة (بادو)، وأمام فران (با إدريس رحمه الله) أب الإخوة (أبو علي)، وسناك (الأخوين). 

 

عمي علي في أناقته وبشاشه وطيبوبته ،امتلك قلوبنا جميعا بالحب والاحترام... وفي تعامله الإنساني باللطف، فقد بات الرجل جزءا من ذاكرة مكان، ومن هوية ساكنة الحي. كان سيد المكان بصورته وصوته الخافت، ولكنته الوفية للغة العربية، وحسن استقباله. كان يمتلكنا بكلامه الفصيح، والذي لم أعلم يوما أنه رفعه بالشدة والغلظة أمامنا.

 

عمي علي، يستقبل الجميع بالترحاب، ويعرف طلباتنا المفضلة مُسبقا من كثرة ما احتك بنَّا بالملازمة. بحق كانت معاملات عمي علي أنيقة التواصل، وذات مصداقية وفيرة، فلم يسجل التاريخ أن أحدا قد تسمم من مواده المهيأة من اللبن ومشتقاته، وبعض الحلويات المتنوعة.

 

في صغرنا بحي الزيتون، كانت ملبنة (عمي علي) هي الملجأ الوحيد لنا، لتناول الحلويات العصرية وتذوق الرايب (الخاثر/ المكثف) والبارد، والذي كان يعده بامتياز النكهة (الحليب الطبيعي)، واللذة والجودة والتفرد، فما كان أروع مذاق ولذة وتذوق !!! ومن عجيب الحكاية أننا جميعا تناولنا (الرايب) والحليب ومشتقاته عنده بالمداومة أو بمناسبات الأعياد الوطنية والدينية، وغالبا ما يتم الازدحام قبالته في موسم الشيخ الكامل عند حلول ذكرى المولد النبوي (ص)، أوعند انتهاء مباراة لنا (بتيرة اجبالة) وربح رهان الفوز.

 

كثيرة من الأفواج بالأكاديمية العسكرية الملكية بمكناس، يعرفون الرجل حق المعرفة، وتناولوا عنده تلك الوجبات اللَّبنية التي كان يُعدها بكل جودة ونظافة. ففي أوقات معينة كان الزي العسكري يحيط بواجهتي الملبنة، كلما كان التلاميذ الضباط في فسحة خارجية حينذاك.

 

هي الحياة الراقية التي علمتنا أن (عمي علي) بقي وفيا للجودة واستمر في مهامه وعمله بنفس العطاء والتقوى. بقي وفيا للبساطة، وعرض بضاعته بدون غش ولا تدليس.

 

كلما التقيت بعمي علي أقف أمامه، وأقبل رأسه من حبي الشديد بالرجل وصدق كلامه، وكقيمة أخلاقية تعلمنا منها أدب الخطاب والمعقولية والجدية، وحسن المعاملة. يسألني دائما عن العائلة والأسرة، ثم يختم كلامه : أين عمر الآن؟ وكنت كل حين أفتح معه سجلات الماضي، ونزق الطفولة، ونحن نُحلق أمام باب ملبنته بفتنة الكلام والطلبات التي لا تنتهي.

 

اليوم التقيت الرجل صدفة، وهو يخطو هُنَيْهة بمساعدة عكاز للمساندة، كم كانت فرحته كبيرة وأنا أترجل من سيارتي وقوفا، وأقف أمامه بالتحية، وأقبل رأسه. فرغم حوامل التعب، فقد لازمته الابتسامة الطيعة والمستديمة. سألته عن الصحة والأحوال، فحمد الخالق العلي القدير. التقيت به في جولة مسائية، وهو يخطو بخطوات الترويض بعد كسر أصابه، و هو لا زال يعيش فترة النقاهة. كان بحق خير لقاء من يومي، لأني افتقدت تواجده في مسجد الحي عند صلاة الجمعة.

جميع الحقوق محفوظـة © المرجو عند نقل المقال، ذكر المصدر الأصلي للموضوع مع رابطه.كل مخالفة تعتبر قرصنة يعاقب عليها القانون.
الكاتب : هيئة التحرير
المصدر : هيئة تحرير مكناس بريس
التاريخ : 2025-05-22 17:14:00

 تعليقات الزوار عبر الفايسبوك 

 إعلانات 

 صوت و صورة 

1  2  3  4  5  6  7  8  9  المزيد 

 إعلانات 

 إنضم إلينا على الفايسبوك