آخر الأحداث والمستجدات 

الأصبوع الثقافي لمكناس والجهة الضائعة

الأصبوع الثقافي لمكناس والجهة الضائعة

لم أتمكن من حضور ما كثر الحديث عنه خلال هذه الأيام في العاصمة الإسماعيلية، والموسوم بشعار "الأسبوع الثقافي لمكناس"، او بالأحرى لنحاول أن نسميه "الأصبوع الثقافي"، كناية عن الأصبع الأكبر في الرجل أو اليد، والذي يحمل معه من الدلالات أكثر من الشكل.

صراحة لم أكن حزينا لأني لم أستطع الحضور في هذا "الأصبوع"، بصفتي مواطنا عاديا ينتمي لمدينة مكناس، بل ولم أكن حريصا على توفير جزء من وقت عملي للتنقل إلى المدينة التي ربتني وحضنتني على مدى سنوات عمري، لأحضر "أسبوعها الثقافي"، إن كان فعلا كما هو المصطلح والشعار، وكل هذا ليس لأني أحنق على مدينتي أو أحمل في قلبي لها شيئا من البغض والكره، فما من أحمق أخرق يعيّر أما ربته في حضنها، ولكن ببساطة لأنني تيقنت وأنا خارج من بين أبواب مدينة المولى اسماعيل، باحثا عن مستقبلي في مكان غير حاضرتي، أن هذه المدينة التي أصبحت ملعونة ومنبوذة من طرف أصحابها الكبار أولا، باتت شيئا غير الأشياء، وما عادت رمزا من الرموز في الحضارة والوعي والتقدم، كما عاشت ذلك منذ تأسيسها في التاريخ واستمرارها على ذلك لقرون.

والحق ثم الحق يقال، أن مدينتي، وأنا ما زلت أعتز بقول هذا الوصف، أينما حللت وارتحلت، رافضا أساليب الخنوعين المتنصلين من هذه المدينة وما أعطتهم، الذين أخفوا انتماءهم لها، ممثلين كانوا، أو  رياضيين، شخصيات سياسية، وحتى إعلاميين، بمجرد أن صنعوا أنفسهم وأصبحوا شأنا في هذا المغرب أو خارجه، ربما لأنهم يخشون العار حسب حد وعيهم، وقناعاتهم المريضة من سمعة المدينة، والتي ازدادت تلطخا عندما باتت مكناس تلقب بمدينة "الزهو والتقاعد" أي مدينة تجارة المتعة الرخيصة وعيش المتقاعدين بما بقي لهم من معاش، وهذا هو الشعار الذي بات ينادي به كثيرون ممن لا يعرفون حقيقة مكناس إلا من ظاهرها، مكناس التي أصبح دارا بلا زاد، ومخزنا دون ذخيرة، منذ أن تسلط عليها من إلى الله تُرفع شكوى الأمة عليهم، منذ أول حبة، طماطم شهيرة شاءت للمدينة الغرق.

وجاء "الأسبوع الثقافي" وجاء "الأصبوع" الآخر، جاء الأول أو الثاني، لا يهم، جاء في نسخته السابعة، وكأنه يحمل نداء مكناس وهي تنادي "سبعة رجال" أصحاب البركة، بأن يرسلوا لها بركاتهم عل أبناءها يستيقظون من غفوتهم وسباتهم العميق، بعدما لم تُجد بركات "الشيخ الكامل" في حل شيء من المشكل، هذا إن كان لهذا "الأصبوع" الذي جاء، شيء من الثقافة وشيء يفي بالغرض، وإلا فإنه الخيار الثاني لا محيد عنه، والذي قد يوقظ المشاعر والاحساس بالكرامة والشرف لكل ميت قلب غبي، بسبعة وخزات في الفؤاد!!.

رقص وزمر، عفوا، بل تراث وفلكلور وموروث موسيقي راق من أصالات المدينة، أشياء تعودنا أن نراها منذ كنا صغارا في لحظات الفرحة والبهجة، في لحظات النصر والعزة، في لحظات الرفاهية والاحساس بالانتماء والفخر، لكننا بتنا اليوم نسمعها حتى في أحلك اللحظات التي تمر بها المدينة، في مأتمها الذي لم يرد أن ينقضي، من خراب وفساد ولعب وضحك على ذقون رجالها ورجالاتها.

جاء "الأصبوع" وتكرست معه مبادئ النهب والسرقة والاستغلال وكل شيء قبيح على جبين الجبناء، والأدهى والأمر أنني سمعت بمكلف بمسؤولية عظيمة في هذا الحدث، يطالب بالزيادة في ميزانية "الأصبوع"!!، نعم فلا عجب، فهي البطون التي أرادت أن تأكل وتزيد وألا تشبع، ويا ليتها كما يقال "أَكَلَت وأُكِّلَت" ولكنها أبت إلا أن تأكل لوحدها كما تفعل الضباع، وألا تلقي ولو بالفتات على أرض مكناس الفتية الأبية.

والحق ثم الحق يقال أيضا، أن الجريمة هذه، ليست من صنع "الأكابر" لوحدهم، وهذا هو الغريب والصادم، فحتى ممثلو المجتمع المدني الذين كانوا في وقت من الأوقات، أمل المدينة الوحيد، والذي تفوق جمعياتهم كل عدد خيالي، ذابوا أو شاؤوا أن يذوبوا، بل قل، شاؤوا أن يخذلوا مدينتهم، وينخرطوا في جريمة تحط من عزيمة المدينة، وعزيمتهم أيضا، بأن يعيشوا طامعين في بقايا البقايا، فما شاهده كما أخبرني بعض من حضروا تفاصيل المهرجان، من تزلف ممثلي المجتمع المدني، للعمل والتذلل لهذا "الأصبوع"، ولأصحابه، إما بالسعي وراء الحصول على بطاقة "لجنة التنظيم"، التي لا تساوي فلسا، أو بحمل الكاميرات والجري والركض من أجل التقاط صورة لهذا المسؤول المتبجح أو ذاك، ولا حتى تلك المواقف الباردة المحتشمة لبعضهم، على صدور صفحاتهم بالفيسبوك، وهم يعلنون مقاطعته أو احتجاجهم على الأنشطة، بظاهر مفاده "الاعتراض"، وباطن حقيقته "لأنك حرمتني وضايقتني فسأشاغبك وأشيطنك"، كلها مواقف تزيد في القلب حرقة وتزيد من الأمر ذلة.

قد يطول الكلام في وصف وصمة العار هذه التي عمرت طويلا بأشياء مثل هذه التي تجري، أو غيرها التي جرت في الماضي، وقد يصبح الكلام دون معنى إن سردنا الأخطاء والارتجالية في هذا "الأصبوع" الذي مازالت تشهده مكناس لغاية يوم غد الأحد، والتي لن تسترجع مكناس حقها فيه على ما يبدو، سوى يوم غد في حساب عسير يوم القيامة، ينتزع نزعا ممن جعلوا المدينة كعكة تقسم بينهم.

لكن المهم والأهم مما قيل، بل والصادم لشعور كل مكناسي غيور، القرار الذي كشف عنه من طرف وزير الداخلية قبل يومين، والذي جاء في خضم الاحتفالات والطبل والزمر التي تعيشه المدينة، والذي قضى قبل تأكيده رسميا، بتحويل مكناس إلى مجرد عمالة في جهة، في التقسيم الجهوي الجديد للمملكة!!

نعم فمكناس لم تعد حضارة، ومكناس لم تعد جهة، ومكناس لم تعد بذلك الاسم المشرف لها "جهة مكناس تافيلالت"، فقد نزعت منها جهتها الفيلالية نزعا، تماما كما ينزع وليد من أمه، نزعت لأنها لم تكن أما صالحة، نزعت منها لأنها لم تحسن حضنها ولم تعطها شيئا بقدر ما أهملتها وشوهتها، مكناس صارت جزءا بسيطا رفقة مدينة الحاجب، ضمن الحضيرة الفاسية، مكناس ستصبح جزءا من إرث أهل فاس، نعم هكذا ودون مقدمات، مكناس، من الآن وصاعدا تحت الوصاية، بعدما شيدها صاحبها إسماعيل الذي لم يكن يقبل التهاون، وجعلها فرساي زمانها، أصبحت الآن مجرد إدارة وعمالة في جهة، يعلم كل مكناسي ماذا ستصنع بها، مكناس أصبحت ملحقة لمدينة في اسمها، وتفاصيل قرارها، هكذا إذن اتخذ هذا القرار القاتل في حق مكناس، وأناسها في عز زهوهم ونشاطهم، يفرحون، ويمرحون، تماما كأي شخص خدر دماغه فما عاد يعي شيئا، حتى وإن قطعت أطرافه وصار شيئا منسيا، ليبقى السؤال المطروح من عمق القلب، هل من منقذ لهذه الطامة الملمة بمكناس، وهل فعلا تستحق مكناس هذه المدلة والإهانة كي تصبح شيئا كالأشياء؟ أم أن الجنس من جزاء العمل، أو قل اللاعمل، عفوا مكناستي... فقد انتهى كلامي.. !!

جميع الحقوق محفوظـة © المرجو عند نقل المقال، ذكر المصدر الأصلي للموضوع مع رابطه.كل مخالفة تعتبر قرصنة يعاقب عليها القانون.
الكاتب : المهدي حميش
المصدر : هيئة تحرير مكناس بريس
التاريخ : 2014-09-27 23:47:50

 تعليقات الزوار عبر الفايسبوك 

 إعلانات 

 صوت و صورة 

1  2  3  4  5  6  7  8  9  المزيد 

 إنضم إلينا على الفايسبوك