آخر الأحداث والمستجدات 

حرية الحب إلى أين ؟

حرية الحب إلى أين ؟

قبل الخوض في الكتابة استحضرت مقولة " القلب دكان ريحان ، والكل له مكانته الاعتبارية به " ، فأولى الملاحظات الأولية بحزم هذه الفرضية هي التداخل إلى حد التوحل بين فطرية الحب " القديمة " والنفعية الاجتماعية منه " بحداثتها ". لم أود قط بالمرة الخوض في الكتابة حول التحولات الاجتماعية بسلطة طغيان الحب بجرأة الوضعية الحديثة ، لا لأن الموضوع غير جلي للدارس والمتتبع بالملاحظة ، بل لأني أومن قطعيا أن لكل جيل أولوياته ، ولن أمارس وصاية الكفيل بعلامة " قف " .

الحب ليس رواية شرقية لقصة "ألف ليلة وليلة" وبختامها تتزوج البطلة بالأمير ... ، ولكن الحب هو الغوص في التيار بدون سفينة واعتبار أن الوصول إلى شط الأمان محال ...

أنواع الحب ومرادفاته اللغوية لا تعنيني البتة هنا في هذا المقام ، وإنما أبحث عن أوجه التغيرات الاجتماعية في تقليعات الحب ومواصفاتها الشكلية والتحولية ضمن الثورة الاعلامية الحديثة .

بادئ ذي بدء أؤكد أننا انتقلنا من سلطة الحب العذري والوقوف على أطلال الحبيب - العفيف - إلى الحب العلني المكشوف الأوجه . فأضحت  سلطة تموضع الإنسان " المحب" موضع المفكر فيه بمجموع تجليات السلوكات الظاهرة والباطنة ، وبدون تغييب لأحاسيسه أو تقزيم لمشاعره الإنسانية ... الأسباب متعددة ومجالات تشعباتها انجرت عنوة بالكره والطواعية نتيجة التحولات الاجتماعية والاقتصادية الدولية و الوطنية منها، وكذا الثورة التكنولوجية الحديثة التي أسست سيطرتها المطلقة على أجيال " البلوتوت / والوات ساب ..." دون احتساب مدى تطور الوعي الفردي والجماعي للتكتلات الاجتماعية ....

فمن البحث عن التغطية الذكورية للأنثى " ظل رجل ولا ظل حيط " إلى النفعية "البراغماتية " في العلاقات الاجتماعية وتموطن قصص الحب بينها . والحقيقة الصادمة  التي لا مفر من ذكرها خريطة الحب الافتراضي - " الشبكة العنكبوتية " - المتزايدة وطنيا ودوليا . فضلا عن التحرر المتزايد من العقد الوسيطية للمجتمعات التقليدية بالانفتاح على الكونية العالمية برحابتها ، ثم السعي الحثيث الى الثورة على التقليدانية بأوجهها المتعددة ، وتكسير عوائد الأخلاق الدينية بالتجاوز والتخطي غير المحسوبين اجتماعيا ...

الحب "الشبابي" الحديث كسر قمقم زجاجة العفريت الموثوق منذ قصة " علي بابا والفانوس السحري " وخرج إلى الواجهة عبر مواقع إقلاع التواصل الاجتماعية بدون جواز سفر ولا تأشيرة دخول ... فيما التقانة الرقمية المستحدثة أرست المبدأ والحرية تكفلت بتدويله ...

 إنها الحرية التي أكسبت الذات الإنسانية المهارات الوجدانية لامتلاك السلطة  المطلقة على تفريع ضوابط المكبوتات الذاتية بتيمة فرض واقع الأولوية للسلوكات والأحاسيس بدون حسيب أو مقص رقابة ... هنا الحدود تكسرت ...و"الحشومة " تراجعت في سلم الترتيب ،وانتقلنا إلى الحب الافتراضي أوالحقيقي ، والذي يغطينا بشبكة عنكبوت صلبة المقاومة وبممارسة كاشفة .

مظاهر الحب تنوعت ونجحنا نحن في اقتناصها والحكم عليها مسبقا بالأحكام الفقهية الافتراضية . ووفق نمطية جاهزة بالاجتهاد والقياس ، ثم أبحنا لأنفسنا لباس جلباب الموعظة والحكمة . في حين هناك وجوبية قائمة الحجية تستدعي تحديد أسباب " تبرج " الحب وانكماشه الافتراضي أو بالانفلات العلني .

الاختلاف وارد بمنصة تموقع كرسي الحكم /القاضي والناقد المتبصر...فمن رأي رجل الدين وتناوله لأخلاق العناية بالتشدد والقطعية المعيارية ...إلى متم رأي الإنسان البسيط بوضعيته الاجتماعية الحقيقية ... ثمة مفارقة عمقها يزداد هوة واتساعا كلما تم تعويم الموضوع ومناقشة تموضعه بين الحلال والحرام ... الرأي العدل ليس في تصنيفي وتأطيري ضمن خانة معينة ، وإصدار أحكام القيمة المسبقة عنوة أو بالمجانية المطلقة ، وإنما هو في تحديد بنيات انفجار وردة الحب بالتفتح المجالي وتكسيرها لطابوهات " الحشومة " التقليدية .

إن مناولة طفرة الحب الحديثة بالتحليل والتنظير الاجتماعي ، يسائلنا جميعا مما أعددناه لهذا الجيل من مقاسات مستحسنة ومضبوطة لأخلاق العناية الواقية من الانزلاقات السلبية  . لقد اكتفينا كما عودنا أنفسنا بالنقد والمحاسبة السلوكية بالمساءلة الجارحة . في حين كان لزاما أن تكون أدوارنا أكثر تفاعلا مع التحولات الاجتماعية المتسرعة التحرك والتلون بألوان الحرباء ، وذلك بإسنادها على أساس تربية سليمة لممارسة الحرية باعتبارها السند القوي لمعرفة حدود الموانع ومساحة المباح في مكون الحب و شموليته الدلالية .

للحرية أدوار جليلة في نقل الحركات المتحولة بالمجتمعات نحو المواقع الأمينة من الصدمات الاجتماعية  . إنها الشعاع الذي يجذبنا إليه ولكن بمتسع فوارق سرعة الوصول إليه ...الأهم هو الدفع بالحرية إلى الأمام وتركها تستوطن ضمن الأوساط الاجتماعية بحيث تجد طريقها بكل سلاسة نحو التعميم والإرساء السليم لشأن الحب .

لا أقول بالحرية الفوضوية ،ولكنني أدعو إلى التمسك بالضوابط الكونية للحرية ...فالحب يتقاطع في تعاريفه ودلالاته مع كل عادات شعوب العالم و بكل اللغات ، ولكن الضرورة الدينية والأسرية والبيئية لها وقعها في تنويع ألوانه الدلالية والتواصلية والتفاعلية. فإذا ما سلمنا أن الحب قد زهقت رجلاه من الركاب حديثا ، فإنه سيأتي يوم ستعاد فيه لعبة " الحب الحرية " ولن يستطيع الكل الوقوف أمام الزحف العقلاني لطفرة المجتمع التنموية نحو مأسسة الحب والحرية بلازمة التعاقد الاخلاقي ...

جميع الحقوق محفوظـة © المرجو عند نقل المقال، ذكر المصدر الأصلي للموضوع مع رابطه.كل مخالفة تعتبر قرصنة يعاقب عليها القانون.
الكاتب : محسن الاكرمين
المصدر : هيئة تحرير مكناس بريس
التاريخ : 2014-11-11 17:47:37

 تعليقات الزوار عبر الفايسبوك 

 إعلانات 

 صوت و صورة 

1  2  3  4  5  6  7  8  9  المزيد 

 إعلانات 

 إنضم إلينا على الفايسبوك