آخر الأحداث والمستجدات 

حوار مع الخبير الدولي في السياسات العمومية ذ.رشيد عثماني

حوار مع الخبير الدولي في السياسات العمومية ذ.رشيد عثماني

الإدارة الترابية وتحديات تفعيل سياسة المدينة بمكناس

ذ.رشيد عثماني

 - خبير دولي في السياسات العمومية                                                   

- عضو هيئة الخبراء الدوليين بجنيف

في إطار طرق أبواب الحوارات الهادفة التي ينهجها منبرنا مع مختلف الفاعلين من كتاب و نقاد و مفكرين و مهتمين بالشأن العام ،ارتأت "الرأي الصحفي" محاورة  احد ابناء البلد ذ. رشيد عثماني بصفته خبيرا دوليا في السياسات العمومية و عضوا بهيئة الخبراء الدوليين في موضوع يشغل بال الرأي العام .."الادارة الترابية و تحديات تفعيل سياسة المدينة".

س - ماهي طبيعة النظام الحضري بالمغرب؟

ج- في الوقت الذي تشهد فيه المدينة المغربية تحولات عميقة على مستوى السكان والبنيات و الدينامية  الحضرية، فان الضرورة تقتضي التفكير في الأسس النظرية لهذه التحولات وتجسيداتها العملية، وأثارها المجالية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فالنظام الحضري ينطلق من مظاهر أساسية هي :

1 - الثقل الديموغرافي حيث يقدر عدد السكان الحضريين اليوم ب 60% حسب تقرير المندوبية السامية للتخطيط  لسنة 2015، وهذا ناتج عن النمو الطبيعي وكذا الهجرة القروية وتوسع المجال الحضري والذي جاء نتيجة إعادة التقسيم الإداري، كما أن هناك ارتفاع في عدد المراكز الحضرية.

2-النقل الإقتصادي أي أن المدينة تظل هي مكان إنتاج الثروة الوطنية ¾ من الإنتاج الداخلي الخام بالرغم من أن أنشطة الفلاحة والغابات والصيد تبقى هي المشغل الأول في المغرب.

3- التراتبة الحضرية (Hiérarchie des villes)  فهناك أربعة  أصناف للمدن: المدن المتثروبولية ،العواصم الجهوية الكبرى، المدن المتوسطة والمراكز الحضرية الصغيرة.

س- كيف ترى التجارب التعميرية التي مرت منها مدينة مكناس؟

ج-   لقد خضعت مكناس إلى عدة تجارب تعميرية أفضت إلى اختلالات بنيوية هامة وتدبير مفارق وبنيات حضرية مختلفة وتتجسد هذه الإختلالات في مايلي :

أولا: اختلالات بنيوية ويظهر ذلك في انتشار السكن الغير اللائق، خرق قوانين التعمير، الفصل بين المدينة والبادية، إهمال التراث المادي واللامادي.

ثانيا : تدبير متباين  يتمثل في وجود ازدواجية من جهة بين المدينة العتيقة والمدينة الأوروبية أو العصرية، ومن جهة أخرى بين المدينة العصرية والضواحي، بخلق إختلالات سوسيو مجالية تدفع الطبقة الوسطى إلى خارج المدينة بحثا عن فرص السكن (périurbanisation)، ومن جهة أخرى تعمير إرادي سريع، أعطى مدينة نمطية، غير منتجة ومفككة وذلك ناتج عن البحث عن فرص الربح والمضاربات، واستهلاك الاحتياطات العقارية، و تشويه البنيات الحضرية، وسوء التخطيط والتجهيز.

ثالثا : هناك تحولات حضرية من أهم مظاهرها محاولة إلغاء الحي، كبنية حضرية قائمة تمثل إطارا ثقافيا وذاكرة ومكانا للطفولة والتنشئة الاجتماعية، لاسيما في المدينة العصرية وذلك ناتج عن التجزئات والأحياء أو التجمعات السكنية الكبرى. فابستناء المدينة القديمة، ربما لم يعد الانتماء إلى الحي قائما بقدر ما هناك انتماء غامض إلى المنطقة أو

المدينة ككل.وهناك أيضا خلق الحدود والفوارق داخل المدينة بين الأحياء الكبرى سواء على طريق التنطيق أو التخطيط ( ساحات عمومية، وفضاءات فارغة، وفضاءات مشجرة...)، وهي حدود إدارية، بقدر ماهي اجتماعية ونفسية بين الأحياء والسكان لا تساعد على الانسجام الاجتماعي. 

 

س - عرف المغرب في العقد الأخير عدة تدابير ترمي الى التنمية الحضرية و الاجتماعية كيف ذلك؟

ج-  منذ منتصف التسعينات عرف المغرب تغيرا في الرؤى عن مستوى القرار السياسي فيما يخص مسألة التنمية الحضرية     و الاجتماعية، و ذلك عبر برنامج السكن الاقتصادي للمواطنين ذوي الدخل المحدود، و مباشرة بعد تربع جلالة الملك محمد السادس أيده الله، أصبح الملف الاجتماعي أحد أوليات السياسة الملكية.

و هدا التوجه كان ظاهرا في عدة مناسبات كتقرير الخمسينية ، وكدا الميثاق الوطني لإعداد التراب الوطني،وإنشاء كالة التنمية الاجتماعية و المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.

ومن جهة أخرى أكد جلالة  الملك في عدة خطب ملكية أهمية موضوع التنمية الحضارية والاجتماعية.

س- كيف يمكن القول أن التوجه الملكي في هذا المجال كان له الوقع الكبير في السياسات العمومية للتجديد الحضري؟

ج - على إثر أبحاث جامعية قمت بها في مجال التعمير وسياسة المدينة، يمكنني أن أقول أن جلالة الملك وجه ما يناهز 33 خطابا ملكيا ورسائل سامية ملكية، تمحورت حول مواضيع : محاربة السكن الغير اللائق، ومدن الصفيح اللامركزية ، التقسيم الجهوي للمجال، التنمية المحلية، التنمية البشرية، السكن اللائق، السكن الاجتماعي، الدور للآيلة للسقوط، سياسة القرب، إعادة الإيواء، التعمير، مدينة بدون دور صفيح...

فهذا الزخم من الخطب والرسائل يبين الإيمان الراسخ للنهوض بالتنمية الاجتماعية والحضرية المحلية التي هي أساس التنمية الوطنية. فالإدارة الترابية تعمل على تفعيل برامج التنمية الحضرية المحلية عبر الإستراتيجية الكبرى للتنمية مثل (الدار البيضاء- سطات ...)، يبقى على المتدخلين الآخرين في هذا المجال (وأعني بذلك الجماعات الترابية والمصالح الخارجية والمجتمع المدني.) فهم الفلسفة الملكية ،لأنه أصبح من الضروري تأهيل هؤلاء الفاعلين لفهم السياسات العمومية الجديدة للتدبير الحضري وبالتالي الانخراط بالشكل المطلوب حتى تصل إلى ما يسمى Inter ministérialité لأن المشكل هو التنسيق بين المتدخلين.

تجدر الإشارة إلى أن القوانين والمؤسسات التي ستواكب السياسات العمومية المحلية ستخرج إلى الوجود عما قريب حتى تكون هناك قاعدة مؤسساتية وقانونية لتفعيل التوجهات الكبرى.

س ما هو رأيك في إستراتيجية مشروع مكناس الكبير 2015-2020؟

ج- استنادا إلى المقتضيات الدستورية الجديدة المتعلقة بأدوار المجتمع المدني، وطبقا للتوجيهات الملكية السامية الرامية إلى تكريس مشروع مجتمعي ديمقراطي حديث قائم على المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وطبقا لمبدئ المفهوم الجديد للسلطة. فقد قام السيد والي جهة مكناس تافيلالت السيد قادري محمد مباشرة بعد تعيينه بوضع إستراتيجية لتنمية مدينة مكناس حيث اعتمد على مقاربة أفقية مشركا كل فعاليات المدينة.

ولأن تنمية المجال تتطلب برامج ممتدة في الزمن،فقد سطر الوالي الجديد إستراتيجية التنمية عبر مراحل :

المرحلة الأولى : تهيئ الانطلاقة، المرحلة الثانية إعداد الإستراتيجية والمرحلة الثالثة والنهائية المصادقة والتواصل.

كما أنه حدد محاور التشخيص في التأهيل الاجتماعي، السكنى وإعادة التأهيل الحضري، البنيات التحتية، الطرقية والتنقل، النقل الحضري والبيحضري والسككي، المشاريع الكبرى المهيكلة، الحفاظ وتتمين التراث والسياحة والصناعة التقليدية وأخيرا التسويق والترويج المجالي. ومن أجل ذلك تم خلق ثمان لجن للتفكير وهي : - مكناس مدينة الازدهار الاقتصادي – مكناس مدينة المعرفة – مكناس مدينة رائدة – مكناس إطار للعيش – مكناس مدينة للجميع – مكناس مدينة التراث والثقافة والترفيه – مكناس مدينة الأحلام و أخيرا مكناس مدينة الرياضة . وهذا عمل احترافي بامتياز حيث عمل الوالي

بطريقةBRAINSTORMING :(العصف الذهني ) حيث أقحم عدة فعاليات فكرية، وهذا ليس بجديد على والي جهة مكناس حيث سبق له أن عمل بنفس الإستراتيجية بمدينة الدار البيضاء كما يمكن اعتباره خبير في السياسات الحضرية وخير دليل على ذلك العرض الذي قدمه يوم 03 أكتوبر 2012 بمناسبة يوم دراسي حول موضوع : " أية حكامة .من أجل حركة حضرية مستدامة".  حيث قدم عرضا علميا يتعلق : " بالأفاق الجديدة لشراكة مستدامة بين العام والخاص ".

حيث شخص في هذا العرض وضعية النقل الحضري العمومي وكيفية تطوير وتنمية هذا القطاع عبر طريقة شراكة خاصة.

س - كيف يمكن إنجاح استراتيجية تنمية مكناس الكبير؟

ج - إن نجاح هذه الإستراتيجية رهين بشيئين: أولا العلاقة بين النظرية و التطبيق فالسؤال ليس ماذا يجب عمله و إنما كيف يمكن ذلك؟ فهناك فائض في التشخيص (التعميم الوطني لأعداد التراب- و تقرير الخمسينية و التصاميم التوجيهية للحواضر و الإستراتيجية الوطنية للتنمية الحضرية وكذا التشخيص الذي قامت به مجموعات التفكير وكذا مكتب الدراسات.)

إن غالبية المواد الأساسية لتنفيذ سياسة عمومية للتنمية الحضرية المحلية أضحت موجودة أو موضوعة ضمن أجندة السياسات المغربية  العمومية يبقى الانتقال من  الوعي إلى الوجود. فإذا كانت الإدارة الترابية قد بادرت بوضع إستراتيجية تنمية المدينة.فهل المنتخبون بالجماعات الترابية مؤهلون لفهم دورهم الجديد كشركاء وفاعلين في بلورة السياسات العمومية المحلية،  لأن الأيام القادمة ستعرف تغيرات جد مهمة على مستوى القوانين المنظمة للجماعات الترابية و كذا اللاتمركز                 و اللامركزية، و إصلاح المالية العمومية و تحسين تدبير الجماعات الترابية و الأكثر من كل هذا و ذاك تحمل المنتخبين المسؤولية في  فهم وتفعيل مضامين القوانين الجديدة، وكذا استيعاب فلسفة التوجه الجديد للدولة، حيت سيحل التعاقد و المرونة محل لغة الخشب الإدارية، وكدا التعامل الأفقي عوض العمودي في إيطار سياسية مندمجة للمدينة. فالأكيد أن هناك بعض منتخبي الجماعات الترابية اللذين أظهروا على حنكة في التسيير إلا أن البعض الآخر  يتعين عليه  مسايرة التوجهات الجديدة في السياسات العمومية المحلية الجديدة .  

س-  ما هي التحديات لإنجاح برنامج مكناس الكبير؟

ج -إن مدينة مكناس تمتلك مؤهلات وإمكانيات هامة تتجسد في تاريخ عريق و دينامية ديمغرافية وبنية اقتصادية متنوعة (الفلاحة والصناعة التقليدية )، وموقع جغرافي متميز وتوسع عمراني مضطرد (بروز أحياء جديدة) ونشاط سكني (موارد بشرية هامة لاسيما الشباب)، وبنيات إدارية (  سلطات وجماعات ومصالح خارجية) ومجتمع مدني وإشعاع ثقافي.

إلا أن هذه المدينة تشكو من صعوبات و إختلالات : نقص في الحكامة والتدبير، ضعف تثمين موقعها وثراتها وتاريخها الطويل، وتشتت مجالها العمراني الذي يتميز بوجود السكن الغير اللائق (الذي يشكل أحيانا قاعدة انتخابية بمناسبة الاستحقاقات سواء المحلية أو البرلمانية) ، وعدم كفاية التجهيزات الكبرى وتجهيزات القرب ( الملاعب، دور الشباب والثقافة...) سيادة التجارة الغير المهيكلة، وهشاشة الاقتصاد ( مشاكل المنطقة الصناعية، تفعيل أكروبوليس، وانتشار الاقتصاد غير المنظم.....) بما يطرح تساؤلات حول الاختيارات الكبرى  التي ينبغي اتخاذها في هذا الصدد مثل : أي مدينة نريد في القرن 21  ؟ وأي تنسيق بين الفاعلين المحليين ( السلطات والجماعات والمصالح الخارجية، والمجتمع المدني ) ما وظيفة أو وظائف المدينة الأساسية؟ وأي ديمقراطية و حكامة لمدينة المستقبل؟

س - ماذا عن إستراتيجية مكناس الكبير وأفاق نجاحها ؟

ج -إن أي تصور لمستقبل مدينة مكناس، لابد أن يفضي إلى إصلاح سياسي شامل (إعادة النظر في النخب) يأخذ الديمقراطية والحكامة كأفق ويرتكز على رؤية إستراتيجية وهذا يظهر بكل و وضوح في العمل الذي قام به الوالي الجديد بمدينة مكناس باعتماده على مناهج علمية للتنمية المحلية وفق تصور للمدينة ككل لا يتجزأ، يقضي خضوعها لمخطط استراتيجي مندمج   و مشروع حضري يضم كل المجالات التي تتعلق بالمدينة .

وفي هذا الصدد، سطرت الإدارة الترابية في شخص والي جهة مكناس  إستراتيجية في أفق 2020، تجعل من مكناس مدينة مستدامة : Ville Durable وبالموازاة مع هذا نلاحظ أيضا تركيزه على التصدي للمشاكل الآنية للمدينة كالتصدي للزحف العشوائي للعمران، ومحاربة دور الصفيح وكذا محاربة احتلال الملك العمومي وبعض الآفات، (كآفة  الشيشة ) وكل هذه إشارات جد مهمة على أن هناك حرب دون هوادة  أمام الفساد وإشارة أيضا على أن الكل سواسية أمام القانون، والملاحظ أيضا أن  الوالي يسهر شخصيا على تتبع عمل لجنة اليقظة وكذا الدوريات المشتركة مابين رجال السلطة والأمن الوطني كما أنه يقوم بزيارات ميدانية مصحوبا برجال السلطة وكذا مسؤولي المصالح الخارجية «  les administrations déconcentrées »، زيادة على الدينامية التي تعرفها المدينة والتي تتجسد في ترصيف وتبليط  الشوارع  وكذا الاهتمام بالإنارة العمومية إلى غير ذلك . فالإستراتيجية  المتبعة الآن بالمدينة تبين على أن هناك رؤية وأكثر من ذلك هناك إرادة للنهوض بالمدينة. فالمعلوم أن أي تغيير يجد أمامه جيوب المقاومة إلا أن الإشارات القوية والتي وجهتها الإدارة الترابية في ظرف وجيز لايتعدى ثلاثة أشهر على تعيين الوالي الجديد على رأسها تبرز أن المستقبل لايتوقع ولكن يهيئ له كما قال François BLODEL، بالعمل الجاد وقدرة أصحاب القرار في وضع استراتيجيات وأسس من أجل مدينة للجميع، عبر رؤى واضحة وإشراك فاعلين محليين مسؤولين موهوبين و مؤمنين بعملهم كما قال فوفيناركVauvenargue   :.

جميع الحقوق محفوظـة © المرجو عند نقل المقال، ذكر المصدر الأصلي للموضوع مع رابطه.كل مخالفة تعتبر قرصنة يعاقب عليها القانون.
الكاتب : هيئة التحرير
المصدر : هيئة تحرير مكناس بريس
التاريخ : 2015-07-05 16:36:00

 تعليقات الزوار عبر الفايسبوك 

 إعلانات 

 صوت و صورة 

1  2  3  4  5  6  7  8  9  المزيد 

 إنضم إلينا على الفايسبوك