آخر الأحداث والمستجدات 

مدينة مكناس في عيون السفراء الأجانب

مدينة مكناس في عيون السفراء الأجانب

بالإضافة إلى المدن الدبلوماسية التقليدية كفاس ومراكش ومكناس، ستبرز الكثير من المدن المخصصة لاستقبال السفراء الأجانب، وستحظى باهتمام البعثات الديبلوماسية، على نحو ما يظهر في التقارير المكتوبة عنها كتازة، عاصمة السلطان الرشيد العلوي، التي شهدت استقبال سفراء لويز الرابع عشر، ملك فرنسا، وسلا عاصمة البحر التي طبقت شهرة مينائها وملاحيها الآفاق، والتي تحولت في زمن المجاهد العياشي والدلائيين إلى مصدر قلق للعديد من البلدان الأوربية، فصارت ملزمة لذلك ببعث ممثليها لعقد الاتفاقيات مع حكام البحار في سلا، وستظهر بالشمال المغربي ثغور ومدن ستتحول مع توالي الأيام إلى قبلة للوافدين الأجانب مثل بادس وتطوان وسبتة والعرائش، فضلا عن عاصمة الشمال الأزلية طنجة التي ستستأثر بأهم السفارات وأخطرها.

مكناس تضاهي مدن

الأكاسرة والقياصرة

بتتبع ما قيل عن «مكناس»، نجد أن السفراء الأجانب تباروا في الثناء عليها منذ العهد المريني، فهذا لسان الدين بن الخطيب، وزير غرناطة الشهير يقول فيها:

إن تفتخر فاس بما في طيها \ وبأنها في زيها حسناء

يكفيك من مكناسة أرجاؤها \ والأطيبان هواؤها والماء

وهذا ابن عبدون يتغنى ببهائها، لقد وجد فيها السفراء ضالتهم، إذ أنها كانت تعبر عن عظمة الحضارة المغربية أصدق تعبير، فقد كانت مركزا علميا يقصده مئات العلماء وطلبة العلم للتدريس والنهل من ينابيع المعرفة، وهي مرتع للترويح عن النفس كذلك، بما تحويه من حدائق وقصور وديار معدة للضيافة على الطراز المغربي الأنيق، وستتحول مكناس إلى قبلة للبعثات الأجنبية على عهد السلطان إسماعيل العلوي، ولقد يظن البعض أن المؤرخين بالغوا في وصف مكناس خاصة حين قال بعضهم فيها: «تعجز عنها الدول القديمة والحديثة من الفرس واليونان، والروم والعرب والترك، فلا يلحق ضخامة مصانعها ما شيده الأكاسرة بالمدائن، ولا الفراعنة بمصر ولا ملوك الروم برومة والقسطنطينية، ولا اليونان بأنطاكية والإسكندرية ولا ملوك الإسلام ودوله العظام كبني أمية بدمشق، وبني العباس ببغداد والعبيديين بإفريقية ومصر»، غير أن كل ما قيل عنها تؤكده شواهد كثيرة، فقد كان لمكناس صدى قوي في تقارير الأجانب، ومن المدهش أن ما قالوه عنها يطابق ما قاله المؤرخون المغاربة، إذ قد يتسرب لذهن الدارسين لتاريخ المدينة أن المغربي وإن توخى الصدق فيما يكتب عن بلاده، لا بد وأن تغلبه عاطفته، غير أن الإفادات الأجنبية ترفع اللبس وتؤكد أن مكناس كانت مركزا حضاريا لا يقل أهمية عن أعظم العواصم العالمية، لقد وصفت سفارة ستيوارت الإنجليزية مكناس وصفا دقيقا مستفيضا، وخصصت لها التقارير الفرنسية صفحات مطولة بمناسبة وفادة جون إستيل وسفارة سانت ألون، ومن المؤسف أن الكثير من المعالم العمرانية التي وردت في هذه الوثائق التاريخية اندثرت بسبب الزلزال الذي ضرب المدينة عام 1755م، وهو الزلزال الذي وردت عنه إشارات عابرة في بعض الفتاوى الفقهية وتحدث عنه بإسهاب الأسير السويدي ماركوس بيرك، الذي نقل عن شهود عيان أن مكناس «انهارت جميعها على أصحابها بما تحتويه من مباني، وأن أكثر من مليون من المغاربة منهم المسلمون واليهود فقدوا أرواحهم أثناء هذا الزلزال المدمر». والواقع أن هذا الرقم المهول قد يكون غير دقيق، خاصة مع وجود إشارات أخرى تدل على أن عدد الضحايا أقل من ذلك، لكنه يقربنا من حقيقة المدينة التي تحولت في ذلك الوقت إلى قبلة للمغاربة والأجانب من كل الفئات والمشارب كشأن كل العواصم ذات الصيت الحضاري الذائع.. قرطبة وفاس وبغداد وأثينا وغيرها…

مدن الشمال التي أبهرت

السفراء الأجانب

تظهر الوثائق الدبلوماسية أن بادس كان لها صيت قديم، حيث تعود صلاتها مع العالم الخارجي إلى أوائل القرن السادس عشر يوم ربطت الاتصال بفينيزيا، وسيعرف هذا الثغر اتصالات هامة بين أميره وبين مسؤولي البندقية حول التجارة بين المدينتين والأوقات المناسبة لحركة السفن، وإلى جوار بادس، التي أشارت إليها الوثائق على أنها مركز للتجارة الدولية تميزت سبتة بمعاهدها الثقافية ومدارسها وفنادقها ومنشآتها الحضارية، وقد قال عنها مالك بن المرحل:

أخطر على سبتة وانظر إلى \ جمالها تصبو إلى حسنه

كأنها عود غناء وقد ألقى \ في البحر على بطنه

ومع أن البيتين يهتمان بجغرافية المدينة إلا أن فيهما تلميحا لا يخفى إلى الأثر الذي تبعثه في نفس زائرها، فهي كالعود الذي يدخل الطرب على قلبك.

غير أن كثافة الوفادات والبعثات نحو طنجة ستغطي على ما سواها من المدن، فبحكم طقسها الذي يجمع بين مناخ الساحل والداخل والجبل، وبحكم موقعها بين بحرين اثنين، ستتحول إلى مهوى لأفئدة الوافدين.

وقد اكتسبت شهرة كبيرة بفضل رحالتها الكبير «ابن بطوطة»، الذي جاب كل أقطار الدنيا، وستعرف طنجة طفرة هامة بعد تعيين وزير للأمور «البرانية» في العهد العلوي، حيث ستشهد توافد الكثير من السفراء والمبعوثين عليها للقاء السلطان سليمان العلوي أو عبد الرحمن أو اليزيد أو غيرهم من الملوك، كما ستشهد زيارة ثلة من الملوك والأمراء من أمثال إمبراطور ألمانيا الذي زارها في مطلع القرن العشرين وعدد من الأمراء الإنجليز والبرتغاليين، الذين وفدوا عليها منذ الحقبة المرينية.

ومن المهم قبل أن نختم الحديث عن التقارير الأجنبية حول المدن الدبلوماسية أن نشير إلى أن هناك من المبعوثين من حاول التركيز على بعض السلبيات الموجودة في تلك المدن، وإشاراتهم غالبا ما تنطوي على شيء من التحامل، إذ لا تخلو كبريات العواصم العالمية إلى اليوم مما يشينها، وقد قيل لهارون الرشيد ذات يوم كيف نجد في بغداد متسولين وهي حاضرة الخلافة ؟ فأجاب أحببت أن أشرك رعيتي في ثواب الإحسان إليهم، وكذلك كانت مدن المغرب راقية، يسمع عنها القاصي والداني، لكنها لا تخلو من سلبيات.

جميع الحقوق محفوظـة © المرجو عند نقل المقال، ذكر المصدر الأصلي للموضوع مع رابطه.كل مخالفة تعتبر قرصنة يعاقب عليها القانون.
الكاتب : هيئة التحرير
المصدر : جريدة المساء
التاريخ : 2015-07-25 02:07:07

 تعليقات الزوار عبر الفايسبوك 

 إعلانات 

 صوت و صورة 

1  2  3  4  5  6  7  8  9  المزيد 

 إنضم إلينا على الفايسبوك