آخر الأحداث والمستجدات 

العاطي الله يا العطاوي

العاطي الله يا العطاوي

وصلت، قبل أيام، حمى إحراق الذات إلى مدينة هادئة صغيرة في كل شيء. تضاربت الأخبار وتناسلت حول أسباب حادث اهتز له القريب والبعيد، وبقي الأكيد أن العطاوي أسلم روحه للنيران دقائق بعد غضب لم يخمد سوى بالنار.


كيف للنيران الملتهبة حول جسد مهترئ أن تطفئ لهيب القهر ولفحة الحكرة؟

لقد احترق العطاوي واحترقت معه أسرار الحادث المأساوي، لكن هل احترقت نيران إدارة متعفنة تحرق كل مرة جسدا أنهكه الكدح واليأس؟
حادث انتحار العطاوي حرقا أمام بلدية سبع عيون يوم الإثنين 24 يونيو لا يمكن أن يمر كما تمر الأحداث العادية دون كبير اهتمام، فالحادث لم يكن متوقعا، خصوصا وأن البلدة يعرف سكانها بعضهم،  وهو ما يؤكد أن  الشوكة التي وخزت العطاوي كانت سامة قاتلة.
وعن أسباب الانتحار، ظهر المتخوفون من تورطهم في الحادث، وسارع رئيس المجلس البلدي لتبرئة نفسه، وهو المعني الأول بحكم أن الحادثة وقعت بباب البلدية، وقال أن الضحية كان ينوي الحصول على بطاقة رميد، وأن الوثيقة الوحيدة التي يمكن أن يتسلمها من مصالح البلدية قد تسلمها في حينها. باشا المدينة التقط ضربة رئيس البلدية وقال أنه بريء من دم العطاوي، وأن الرجل ظل يتردد على الباشوية لتجديد بطاقته الوطنية، وحين مطالبته بنسخة أصلية من رسم الولادة، يئس من الأمر لكونه من مواليد ورزازات.. والبقية تعرفونها.


مواطنون فندوا الروايتين، وأفادوا بأن الضحية كان يهيء ملفا للمطالبة بسكن يأوي أسرته الفقيرة، أما زوجته فصرحت بأن إدارات المدينة أرهقته من كثرة الطلوع والهبوط دون جدوى..ليدركه اليأس مخلفا وراءه خمسة أطفال.
يا لك من مزعج أيها العطاوي.. فعلت بهم وأنت تحت التراب ما لم تستطع فعله وأنت فوقه. وأنت على أبواب الشيخوخة تشعل النار في جسدك المندوب بكدح طويل، ثم توصي لهيبها بحرق من أحرقوك.. فعلتها أيها الأب الذي استرخص كل شيء في سبيل إسماع صوته، ولو منتحرا، غفر الله لك و عوض أسرتك عنك خيرا.
هذه تفاصيل حادث بوعزيزي سبع عيون، الذي أخرج الساكنة محتجة، وجمعيات المدينة مؤكدة أنها دقت ناقوص الخطر غير ما مرة دون جدوى، وقد صدقت الجمعيات: فقارورة إخماد النيران لم تعمل، وسيارة الإسعاف بدون بنزين، بل أكثر من ذلك أنها أصيبت بعطب أخر وصولها للمستشفى 45 دقيقة، ليصل الضحية ميتا حتى لا يزعج أطباء مستشفى محمد الخامس بمكناس، إسعاف بدون تجهيزات وبدون بنزين وبحاجة للإصلاح..
فعاليات المجتمع المدني بالمدينة طالبت بالتحقيق في الحادث وتحديد المسؤوليات، في حين سمعنا عن اعتقال مزود العطاوي بالمادة الحارقة، في انتظار أن نسمع باعتقال من باعه الولاعة، أو أن يتم اعتقال "شاوش" البلدية لأنه لم ينتبه حينما فكر العطاوي في إحراق ذاته.
قبل أن تحترق الأجساد، احترقت الضمائر والمسؤولية والإنسانية، احترق العطاوي لأنهم لم يمنحوه حقه حيا، ويستمر في الاحتراق لأنهم ينهشونه ميتا برواياتهم الساقطة، احترق وهو يقول :أعطوني شيئا.
فقالوا له: العاطي الله يا العطاوي.
ونحن نقول لك : نم مبتسما فما منحتك الحياة بينهم سوى البؤس.

جميع الحقوق محفوظـة © المرجو عند نقل المقال، ذكر المصدر الأصلي للموضوع مع رابطه.كل مخالفة تعتبر قرصنة يعاقب عليها القانون.
الكاتب : حميد سرحان
المصدر : هيئة تحرير مكناس بريس
التاريخ : 2013-07-01 12:54:00

 تعليقات الزوار عبر الفايسبوك 

 إعلانات 

 صوت و صورة 

1  2  3  4  5  6  7  8  9  المزيد 

 أخبار عن نفس المنطقة 

 إنضم إلينا على الفايسبوك