آخر الأحداث والمستجدات
حسن جبوري يكتب.. مكناس : إزعاجات الأطفال في الليل... ضوضاء تضيع راحة السكان

في الآونة الأخيرة، أصبحت ظاهرة الإزعاج الليلي الناتج عن أصوات الأطفال واليافعين مصدر قلق متزايد في العديد من أحياء مدينة مكناس، كما هو الحال في مختلف المدن المغربية. هذه الظاهرة التي كانت تعتبر في الماضي جزءا طبيعيا من الحياة المجتمعية، باتت تثير استياء واسعا بين صفوف السكان، خصوصا في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية.
ففي الأحياء السكنية حيث تتلاصق الشقق و الجدران، تتحول أصوات اللعب والصراخ البريئة للأطفال إلى ضوضاء مدوية تكسر هدوء الليل الذي يبحث عنه كل فرد بعد يوم شاق من العمل أو الدراسة. ومع تصاعد هذه الحالة، برز خلاف واضح بين سكان العمارات والمجمعات السكنية؛ إذ ترى أغلبية الساكنة أن هذا الأمر لا يمكن تجنبه في مجتمع مزدحم، بينما يرى آخرون أن حقوقهم في العيش الهادئ قد انتهكت، وأن على الآباء تحمل مسؤوليتهم في ضبط سلوك أبنائهم خلال الأوقات التي يتطلب فيها الجميع الراحة.
ومن المؤكد أن اللعب والحركة الطبيعية للأطفال لا يمكن حظرها تماما، فهي مرحلة حيوية في نمو شخصيتهم وتطورهم النفسي والاجتماعي. ولكن في المقابل، فإن وجود حدود زمنية للهدوء واحترام خصوصيات الآخرين يمثل جانبا أساسيا من جوانب التعايش المجتمعي. ومن هنا تأتي الحاجة إلى توعية الأسر بأهمية تنظيم وقت اللعب للأطفال، وتحديد ساعات معينة لذلك، خاصة في الفترة الصباحية بين الساعة العاشرة و الظهر وفي المساء ما بين العصر والمغرب، وهي الساعات التي يفترض أن تكون مخصصة للعب كما أكد النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام بكف الأطفال عن الخروج بعد أذان المغرب بسبب انتشار الشياطين، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان جنح الليل -أو أمسيتم – فكفوا صبيانكم، فإن الشيطان ينتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من الليل فخلوهم".
وإلى جانب ذلك، هناك ضرورة لتعليم الأطفال منذ الصغر مبدأ احترام الجيران والمجتمع المحيط بهم، وهو أمر يتطلب من الأسر والاباء أن يكونوا قدوة صالحة لهم في التعامل مع الآخرين. كما أن دور المدارس والمؤسسات الاجتماعية الأخرى مهم في ترسيخ ثقافة العيش المشترك وتقبل الآخر، بعيدا عن الأنانية وفرض الذات.
من ناحية أخرى، لا يمكن إغفال الجانب الإنساني في المعادلة. فالحياة السكنية المشتركة تتطلب درجة من التفاهم والتسامح، خصوصا في الأحياء التي تضم عائلات لديها أطفال صغار. ومن المهم أن لا يتم التعامل مع كل حالة إزعاج كقضية كبيرة، بل يجب أن يكون هناك تمييز بين الضوضاء العرضية الطبيعية وبين السلوك المتكرر غير المسؤول.
فحل هذه المشكلة لا يأتي بالشكوى المستمرة أو التنمر، بل عبر فتح قنوات تواصل مباشرة وهادئة بين الجيران. فحوار بناء يعتمد على الاحترام المتبادل والتفاهم حول حدود مشتركة يمكن أن يحول هذا المشكل إلى فرصة لتعزيز الروابط الاجتماعية بين السكان، بدل أن يكون سببًا للخلافات اليومية.
إن التعايش المجتمعي الحديث يتطلب تنازلات من الطرفين، ويحتاج إلى وعي من الاسر بمسؤوليتهم في توجيه أبنائهم، وتفاهم من الجيران مع طبيعة الحياة العائلية. فالمطلوب ليس منع الأطفال من اللعب، بل تنظيم هذا اللعب ضمن حدود تحترم حق الجميع في الراحة والسلام النفسي. وفي ظل تغير نمط الحياة وازدياد الضغوط النفسية، تصبح أهمية الحفاظ على الهدوء في البيئة السكنية أكثر من أي وقت مضى.
الكاتب : | حسن جبوري |
المصدر : | هيئة تحرير مكناس بريس |
التاريخ : | 2025-06-16 23:09:40 |