Omrane

 آخر الأحداث والمستجدات 

المدينة المتمردة، الطريق الرابع، و جيل Z: نحو عدالة مجالية تقاوم التهميش والاستبعاد الاجتماعي (الجزء الأول)

المدينة المتمردة، الطريق الرابع، و جيل Z: نحو عدالة مجالية تقاوم التهميش والاستبعاد الاجتماعي (الجزء الأول)

تقديم

 

علمتنا سوسيولوجيا التهميش أن المدن ليست مجرد فضاءات للإقامة، بل مراكز لإنتاج الفوارق الطبقية وإعادة إنتاج السلطة الرمزية. فكما يوضح ديفيد هارفي في كتابه «مدن متمردة»، فإن المدينة تُستعمل كأداة للرأسمالية لإعادة إنتاج ذاتها عبر الاستيلاء على الموارد والفضاءات العامة.

 

وفي المغرب، نشهد اتساع الفجوة بين من يملكون القرار ومن يقطنون "اللامرئي" من الأحياء/ الحاشية السفلى. ومع هذه الفجوة، برزت ملامح جيل جديد – جيل Z – الذي لم يعد يقبل بالعيش في الهامش كقدر، بل جعل من الفضاء العام منبرًا لطرح قضاياه، وللاحتجاج على غياب العدالة المجالية والاجتماعية.

ومن هنا تأتي الحاجة إلى ما أطلقنا عليه "الطريق الرابع"، كمدخل بديل للتنمية، يقوم على مفهوم المدينة المتمردة، أي مدينة العدالة والمساواة والمواطنة، لا مدينة الإقصاء والتفاوت.

 

أولًا: لماذا "المدينة المتمردة"؟

 

الرأسمالية المعولمة حولت المدن إلى مسرح لتراكم الأرباح بدل أن تكون فضاء للعيش الكريم. الدولة، تحت ضغط النيوليبرالية، ركزت على الضبط الأمني بدل السياسات الاجتماعية، فتركَت السكن والتعليم والصحة للرأسمال الجشع.

في مواجهة ذلك، نمت ثقافة مقاومة صامتة في الأحياء الشعبية: في التعاونيات النسائية، في الحرف البسيطة، في التعليم الذاتي، وفي فنون الشارع... وهو ما يتقاطع مع احتجاجات جيل Z المغربي، الذي خرج في مظاهراته الأخيرة ليعلن أن الصمت لم يعد ممكنًا، وأن الحق في المدينة هو في جوهره حق في الحياة.

جيل Z، بروحه الرقمية والاحتجاجية، يترجم اليوم ما يسميه هارفي بـ "الحق في المدينة"، أي الحق الجماعي في إعادة تشكيل الفضاء العام على أساس العدالة.

 

ثانيًا: المبادئ المؤسسة للمدينة العادلة

 

انطلاقًا من هارفي ومن واقع المغرب، يمكن صياغة أربع مبادئ أساسية:

1. العدالة المجالية: تصحيح التفاوتات باعتبارها اختيارات سياسية قابلة للتغيير.

2. التمكين المحلي: جعل السكان – خصوصًا الشباب – فاعلين في القرار.

3. الدمج الحضري العادل: اعتبار الأحياء الهامشية جزءًا أصيلًا من المدينة لا مناطق تدخل عابرة.

4. الاعتراف الرمزي والسياسي: تمثيل النساء والشباب وسكان السكن غير اللائق.

 

ثالثًا: احتجاجات جيل Z كتمرد حضري

 

جيل Z في المغرب لم يعد يحتج فقط على قضايا ظرفية، بل يطرح سؤالًا وجوديًا: لمن تنتمي المدينة؟

• في شعاراته نلمس رفضًا للتمييز الاجتماعي والجهوي.

• في حضوره الرقمي نرى بناءً لفضاء عمومي بديل يفضح الفوارق.

• في مطالبه نقرأ رغبة في مواطنة جديدة، قائمة على الحقوق لا على الامتيازات.

هذا الجيل، من خلال دينامياته، يضع الدولة أمام اختبار جديد: إما الاستمرار في تدبير الهامش بمنطق أمني، أو الإصغاء لهذا التمرد الناعم وتحويله إلى قوة إصلاحية.

 

رابعًا: المحاور العملية لبناء المدينة المتمردة

 

• التخطيط التشاركي: خلق مجالس الأحياء ومنحها ميزانية كافية لتدبير شؤنها.

• الإدماج الحضري : إعادة تأهيل الأحياء المهمشة عبر البنيات والخدمات الأساسية.

• العدالة الاقتصادية: دعم اقتصاد القرب والمشاريع الصغيرة.

• الاعتراف بتمثيلية حقيقية داخل المؤسسات: ضمان حضور أصوات الشباب والنساء في القرار العمومي.

 

خامسًا: من أجل تفعيل حقيقي

 

• الشراكة المجتمعية: بناء تحالف قوي بين الدولة والجماعات الترابية والمجتمع المدني.

• التكوين والتوعية: تمكين الشباب من أدوات المشاركة والقيادة، ودعم المبادرات المواطنة الساهرة على التكوين والتأطير (مثل ما تقوم به الجامعة الشعبية المغربية مثلا، وجمعيات أخرى).

• مؤشرات القياس: تتبع مدى تقليص الفوارق ورفع نسبة المشاركة.

 

خاتمة: من حاشية المدينة إلى قلب المواطنة الجديدة

 

كما أكد هارفي، فإن المدينة يمكن أن تكون فضاءً للرأسمالية أو فضاءً للتغيير. وفي السياق المغربي، فإن احتجاجات جيل Z تمثل اليوم أحد أهم تعبيرات المدينة المتمردة: رفض التهميش والاستبعاد الاجتماعي والحكرة، والمطالبة بالاعتراف، والإصرار على الحق في العدالة المجالية.

مشروع الطريق الرابع هو محاولة لترجمة هذا التمرد الحضري إلى سياسات عملية تعيد الثقة بين المواطن والدولة، وتنقل مركز الثقل من البنايات إلى الإنسان.

لقد آن الأوان لنقول بوضوح : المدينة لنا جميعًا، والحق في المدينة هو الحق في الحياة والكرامة وفي العدالة الاجتماعية.

 

المريزق المصطفى

أستاذ السوسيولوجيا الحضرية بجامعة مولاي إسماعيل- مكناس

رئيس الجامعة الشعبية المغربية UPM ومؤسس الطريق الرابع

 

(ملحوظة: كل حقوق الطبع والنشر محفوظة)

جميع الحقوق محفوظـة © المرجو عند نقل المقال، ذكر المصدر الأصلي للموضوع مع رابطه.كل مخالفة تعتبر قرصنة يعاقب عليها القانون.
الكاتب : المصطفى لمريزق
المصدر : هيئة تحرير مكناس بريس
التاريخ : 2025-10-03 23:16:03

 تعليقات الزوار عبر الفايسبوك 

 إعلانات 

 صوت و صورة 

1  2  3  4  5  6  7  8  9  المزيد 

 إعلانات 

 إنضم إلينا على الفايسبوك