آخر الأحداث والمستجدات
بانوراما رمضان : إطلالة على ذاكرة مكناس -قبة السفراء-

تزخر مكناس بتراث تاريخي حضاري ومعماري كبير، خاصة أنها كانت عاصمة المغرب على عهد السلطان مولاي إسماعيل. وتضم في كل ناحية منها أسوارا شامخة وأبوابا ضخمة ومساجد عتيقة، وقصورا فسيحة، ورياضات غناء وأسواق كثيرة، وأضرحة متعددة، وفنادق أصيلة، إضافة إلى السقايات...
كل هذه المآثر جعلت مكناس تتميز بشخصية خاصة جدا، وبتاريخ عريق، ما أدى إلى تصنيفها تراثا عالميا للإنسانية من طرف
منظمة اليونسكو في دجنبر 1996.
وسيحاول، مصطفى بنفايدة، الباحث في تاريخ مكناس، إبراز تاريخ ومعالم هذه المدينة العريقة بتناوله عدة محاور، أهمها مكناس : حياة مدينة، والأسوار والأبواب والقصور، والصهريج والأهرية، والمدارس، والمساجد والسقايات، والساحات والفنادق، وسبعة رجال بمكناس، وصالحات مكناس. والباحث بنفايدة، له منشورات عديدة بالعربية والفرنسية، إضافة إلى مساهمته في برامج تلفزيونية لفائدة قنوات فضائية عالمية منها المجد والقناة الكندية و"فرانس2" وكلونيا الناطقة بالعربية و"فرانس3"، فضلا عن القنوات المغربية. كما أصدر كتبا ومؤلفات نظير "نظام الجهة بالمغرب، جهة مكناس تافيلالت، نموذجا 1999"، و"الأكاديمية الملكية العسكرية بين مجد الماضي وإشعاع الحاضر 2001"، و"مكناس جولة في التاريخ والمعالم، إضافة إلى العديد من المؤلفات بالفرنسية، منها المدارات السياحية بمكناس (بالفرنسية 2006) و"مكناس متحف في الهواء الطلق (بالفرنسية 2011).
تنفرد مدينة مكناس باحتضانها لبعض المنشآت، قلما توجد في مدينة أخرى، وهي منشآت ذات صبغة اقتصادية، أو اجتماعية. ومن بين هذه المنشآت نذكر منها: دار الماء، صهريج سواني وهري السواني، إضافة إلى قبة السفراء، وسجن قارا و قنطرة الفرسان.
يتحدث مصطفى بنفايدة عن خصوصية هذه المنشآت التراثية، والغرض من إحداثها، يقول عنها:
ـ دار الماء: بجانب صهريج السواني توجد بناية عالية تعلو بابها نوافذ مظلمة ومستطيلة، وهي من الآثار الإسماعيلية، عبارة عن 10 سوان كانت تزود الصهريج بالماء بواسطة دواليب. أما القاعة المركزية والبيوت المحيطة بها فقد استعملت مخازن.
ـ صهريج السواني: يقع جنوب القصور الإسماعيلية، ويبلغ طوله أزيد من 300 متر، فيما يبلغ عرضه 148 مترا بعمق يتعدى 3 أمتار.
والهدف من إنشاء هذا الصهريج، حسب بنفايدة، تأمين الماء للقصبة أيام السلم والحرب والجفاف. واقترن اسمه بالآبار ذات الدواليب والتي كانت تعرف بالسواني، من هنا جاءت تسميته بصهريج السواني. كما كان هذا الصهريج يستغل للنزهة والانبساط حيث كانت تجري فيه الفلائك.
يتابع بنفايدة "كان فائض مياه صهريج السواني يقطع مسافة كبيرة عبر باب الرحى وقصبة بريمة، ليصل إلى مقبرة باب السيبة، ليمر بعد ذلك في الساقية التي يحملها باب ثلاث فحول وسور سيدي بابا، ليصل إلى جنانات العريفة، بوخيار وبوعشرين قرب حارة تاورا".
ـ هري سواني : يقع بجوار دار الماء وصهريج السواني، وهو عبارة عن هري عظيم كان يستعمل لخزن الحبوب في عهد السلطان مولاي إسماعيل. ويبلغ طوله 180 مترا وعرضه 69 مترا. كما أن سمك جدرانه كان يؤمن درجة حرارة تسمح بتخزين الحبوب لمدة طويلة. وقال بنفايدة إن هذا الهري كان بع قبو، إلى أن تداعى بسبب الزلزال الذي ضرب مكناس سنة 1755 والمعروف بزلزال لشبونة.
ـ قبة السفراء: تعد من أهم المآثر الإسماعيلية بمكناس. وتعرف أيضا بقبة الخياطين، وهي قاعة ذات سقف هرمي مغطى بالقرميد الأخضر، فيما زينت جدرانها الداخلية بالزليج يعلوه شريط من الجبس مزين بكتابة منقوشة عليه.
وبخصوص قبة السفراء، قال بنفايدة، إن السلطان مولاي إسماعيل كان يستقبل بها السفراء الأجانب الذين يأتون في الغالب للتفاوض حول الأسرى. وفي القرن 19 أصبحت مكانا لتجمع الخياطين الذين يخيطون الملابس العسكرية، ومن هنا اشتقت تسميتها بقبة الخياطين.
ـ سجن قارا(حبس قارا): يعد من التأسيسات الإسماعيلية وترجع تسميته إلى المهندس البرتغالي "قارا"، الذي وعده السلطان مولاي إسماعيل بإطلاق سراحه إذا قام ببناء هذا السرداب ليستوعب عددا كبيرا من الأسرى، "إنه سرداب هائل يقوم على أساطين محكمة البناء وأقواس ضخمة تتخلل أوائلها ثقوب في السقف للإضاءة. لا يعرف المدخل الأصلي لهذا السرداب، والباب الحالي مجرد مدخل وضع في القرن العشرين. ويقال إنه كان معدا لكل المجرمين والمخالفين للقانون، ولم يكن سجنا للنصارى فقط، كما يعتقد البعض ذلك أن السجن الذي كان خاصا بالنصارى يوجد في حي القنوط. وقد استعمل هذا السرداب بعد العهد الإسماعيلي كهري لخزن الحبوب".
ـ قنطرة الفرسان: موقعها جنوب غرب صهريج السواني. وتعتبر من المنشآت الإسماعيلية، إذ اكتمل بناؤها سنة 1693. ويبلغ طولها حوالي 250 مترا. وقد أنشأت فوق مجرى مائي صغير كان يعرف بواد العافية الذي كان يجري في المنخفض الذي يحمل نفس الاسم.
وأوضح بنفايدة أن هذه القناطر استعملت للربط بين المركبات القصورية والإسطبل الإسماعيلي، الذي كان يعرف بالروى. وقد عرفت أخيرا ترميما أعاد إليها الاعتبار، وأصبحت تسهل انتقال الناس بين حي اسباتا وحي تواركة.
الكاتب : | عيسى الكامحي |
المصدر : | الصباح |
التاريخ : | 2012-07-31 20:48:14 |