آخر الأحداث والمستجدات 

تأثيث حضور "مهرجان مكناس للدراما التلفزية" بمتقاعدي كرسي وزارة الثقافة

تأثيث حضور

الدورة السادسة من "مهرجان مكناس للدراما التلفزية"، هي دورة متقاعدي وزارة الثقافة بامتياز. السيدة السعدية قريطيف، والسيد محمد الأشعري، لكل منهما بصمته الفنية والأدبية الخاصة ، وبالتفاضل في الفعل السياسي الوطني. سطع نجمهما أيام زمن القلم والرصاص.

الآن، الفواصل الفارقية أحدثت اختلافا بين ماض سياسي وفني ما انفك يمضي باكراهاته ومزالقه وطموحاته الشخصية، وبين حاضر يحمل وصفة حمية صمت في السياسة والفن، حمية ما فتأت تتكون عند كل من خرج من الباب الكبير للاستوزار. لكن وجه التشابه يتركب من أن الاسمين توحدا بالجلوس على نفس كرسي وزارة الثقافة المغربية، توحدا بالانزواء الطوعي عن مشهد الأضواء بعد التقاعد القسري من مهام  التكليف والتشريف الوزاري.

اليوم خبا لهيب الفعل السياسي النضالي، وتم قطف الرؤوس التي أينعت سابقا وتقليم أظافر أحزابها المشاكسة. خبت حركية الوقوف على خشبة المسرح وتفكك عمل المجموعات المسرحية بالتتابع. اليوم التاريخ الماضي سيحضر إلى مكناس (ما بين 10 و15 مارس 2017) بتكريم ثريا جبران، وبتمكين الأشعري من رئاسة لجنة التحكيم. لجنة تحكيم سيتوارى رئيسها ضمن ظلمة قاعة عروض الأفلام الدرامية  بدار الثقافة" الفقيه محمد المنوني".

أية مصادفة حكيمة تجمع الزمن السياسي الماضي، وفن الخشبة الملزم بقضايا الشعب؟. أي حكم قيمة يمكن أن نسقطه على المسيرة  الفنية لإسم ثريا جبران كفنانة، و بين السعدية قريطيف كوزيرة للثقافة المغربية؟. إنها المفارقة السالبة بين التعبير عن الرأي الفني وإبداء القناعات الشخصية، وبين تطبيق سياسة المخزن الثقافية الرسمية بالنقطة والفاصلة. إنها متم النهاية القاتلة التي تحيل وجوها إلى عتبة الظل بعد ترك كرسي الإستوزار . هي نوستالجيا حياة  سياسية وفنية بالذكرى والتذكر تحضر إلى مكناس، بعد انحسار الأضواء والتصفيقات عنها وتوزيع الابتسامات.

ثريا الضوء النسوي بشعاع قوس قزح، والمتحرك فوق خشبة المسارح بخفة الجسد النحيف. هي التي نشبهها بطائر الليل الذي يحترق في مشاهد المسرح الفردي بالالتزام والبساطة وقوة التفاعل مع الأدوار إلى حد الإغماء. ثريا التي كانت تحرك أيدي قاعات العرض بالتصفيق المتصل، ويهب وقوفا لها الجمهور بالإعجاب والتقدير. ثريا الباحثة عن فسحة الحق والعدالة والكرامة والحرية ولو فوق خشبة المسرح.

إنها السعدية قريطيف التي انتقلت من وقفة المسرح بعرق العرض إلى كرسي الوزارة الوثير.  و من ديكور مسرح متهالك إلى مكتب إداري وزاري مكيف . انتقلت إلى المشي فوق الزرابي وتقبل التحية الجماعية الصباحية بباقة ورد معطر. لكن الحق نقول ونسجله للتاريخ وفاء بأن ثريا بقيت وفية لماضيها ووسطها الشعبي ، وفية لأسلوب كلامها البسيط ورؤيتها لمآلات الثقافة المغربية، بقيت وفية لقناعاتها الفكرية، بقيت فنانة في ثوب سعادة وزيرة الثقافة.

 فيما "عين العقل" محمد الأشعري، الأديب والسياسي الذي تربى في أحضان حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وتدرج ضمن مسارات دواليب الحزب التنظيمية. هنا نرجع إلى حكم القيمة ولا نلوي منه شيئا إلا بما التصق بظهر الأشعري أن حزب الوردة له الفضل التام في سطوع نجمه وبروزه السياسي والفني، وفي تقلده منصب رئيس اتحاد كتاب المغرب  ثم وزيرا  للثقافة.

 هو نفس الحزب الذي  غسل عليه الأشعري يديه. حيث يروى بالتواتر أن محمد الأشعري صرح  بغسل يديه على الاتحاد الاشتراكي... و أن الحزب لم يعد موجودا، ولا يمكن له أخلاقيا ولا سياسيا أن يستمر فيه... كان هذا  التصريح بعد تولي إدريس لشكر الكتابة الأولى للحزب.

إنها النهاية المأساوية التي سقط فيها الأشعري وغيره من الفاعلين السياسيين على التوالي. نهاية جعلت من أرض الله واسعة ومتنفس للبحث عن الذات والتمكين.  إنها لحظات التغذية الراجعة " Feedback " بين الصوم عن الانتساب للحزب بسبب الأفراد وبين القناعات السليمة المتمثلة بالإيمان المطلق بحزب المؤسسات. وما القول باحترام التدافع داخل الحزب بالأفكار والبرامج إلا سنة حميدة بالإيجاب والحياة.

نال الأشعري عطف وحنان المناضل عبد الرحمان اليوسفي بتكليفه على رأس وزارة الثقافة، وتم توسيع مهامه بشق الاتصال مرة ثانية. ثم في مناولة ثانية برئاسة إدريس جطو والاحتفاظ بنفس كرسي وزارة الثقافة.

الطموح والتدرج المهني والحياتي يجمع بين مسارات حياة كل من ثريا والأشعري، فيما اختلاف الطرق والمسالك كانت حاضرة بمفارقة بينة، بين الفعل السياسي والعمل الفني.  لكنهما في الأخير وصلا إلى الاستواء على كرسي الاستوزار.  والتصاق صفة مصطلح سعادة الوزير(ة) بهما. كلاهما أصبح له محمولا لغويا آخر بعد نهاية المهمة "السيد الوزير(ة) السابق" ، كلاهما أصيبا بحمية الكبر وبلوغ خط النهاية، فاعتزلت السعدية خشبة المسرح طوعا، وجف قلم "عين العقل"، ولماما ما تلحظه بالإعلام السمعي-البصري...

تكريم ثريا جبران ضمن فعاليات "مهرجان مكناس  للدراما التلفزية " هو اعتراف من جمعية " العرض الحر" بالقيمة  النوعية التي خلدتها السعدية على مدى عشرات السنين، فنانة الشعب المتميزة فوق خشبة المسارح، فمن منا ليس فيه شيء من ثريا؟.  يوم لم يكن المسرح المغربي مفروشا بالورد، يوم كان المسرح يجرك للمساءلة وحلق الرأس، يوم كان عرق الخشبة يسافر به الفنان إلى مدينة سكناه للاستحمام، يوم كان لزاما على الفنانين تدبير جولاتهم بدون دعم ولا احتضان ولا إشهار.

فيما الأيام قد أبدت لنا ما كنا نجهله ونحن صغارا،  أن من بين سياسيي المغرب ومناضليه من له مآرب أخرى يقضيها وتتحدد بأهداف النفعية. فيما الأيام كذلك قد كشفت لنا بالملموس أن الفكر التنظيري / الإيديولوجي السياسي يطوح به جانبا عند الاستوزار، ويبقى الالتصاق بالمناصب والكراسي سمة الوفاء للديمقراطية.

لنعد إلى "مهرجان مكناس  للدراما التلفزية "، ونعترف بأنه الشعاع الفني الجاد المتبقى بمدينة مكناس بعد أن هاجر مهرجان المسرح إلى الشمال. لكن الجمع بين متقاعدي وزارة الثقافة في لمة الدورة السادسة،  بين التكريم (السعدية قريطيف) ورئاسة لجنة التحكيم (محمد الأشعري)، يفرض علينا وضع تساؤلات جانبية نستوثق من صدقها  فتح نقاش عن مدى استفادة مكناس مع من كان على رأس هرم وزارة الثقافة؟. إنها بعض الأسئلة البراغماتية التي نبحث عن مدى استفادة مكناس من ابن المدينة"زرهون"؟ هل أنجز مسرحا كبيرا بمكناس؟ هل دعم الأنشطة الثقافية بمكناس؟ هل ساهم في التنمية الفنية بمكناس أم لا؟. نعم بين السياسة والفن البون الشاسع، والحقيقة التي لا مفر من ذكرها الجحود الأولي لمدينة مكناس يبتدئ من أبنائها.

 ذ محسن الأكرمين

جميع الحقوق محفوظـة © المرجو عند نقل المقال، ذكر المصدر الأصلي للموضوع مع رابطه.كل مخالفة تعتبر قرصنة يعاقب عليها القانون.
الكاتب : محسن الاكرمين
المصدر : هيئة تحرير مكناس بريس
التاريخ : 2017-03-03 00:15:15

 تعليقات الزوار عبر الفايسبوك 

 إعلانات 

 صوت و صورة 

1  2  3  4  5  6  7  8  9  المزيد 

 إنضم إلينا على الفايسبوك