آخر الأحداث والمستجدات 

مكناس من نحاسب، ومن نساءل؟

مكناس من نحاسب، ومن نساءل؟

من الخطأ المنھجي تصور إصلاح مدینة برؤیة یعتلیھا التجزيء والتفتیت. من الاختیارات السلبیة تشییع ملفات الإصلاح عبر طابور الإنتظار یصطف أمام بنایة السلطة المحلیة وإدارة رئاسة المجلس الجماعي. من تمام الیأس تشتیت بوابات ومداخل التفكیر في الإصلاح وتشكیل متناقضات من المتدخلین المحتملین بحد الدولة.  نعم، ھي ذي حال وضعیة مكناس التي تتجاذب فیھا عدة أطراف معلومة نیل حسنة حجرة تدشین حركة التنمیة. إنھا عملیة إحماء وجه التضاد الذي تعیشھا مكناس حين تفرقت تنمیة مكناس المجالية شیعا وقبائل وطوائف وضاعت حقیقة من نساءل ، ومن نحاسب ؟. 

أولى سند منهجي لنا هو الإنكباب على تبني معادلة التحليل الوصفی للظواھر الكلیة الواقفة بالتمام على بيانات نكوص التنمية بمكناس، منهج لا أقتفی أثره إلا لماما  لكني الیوم لم أجد بدا من القبول به والتصالح معه والمصادقة علیه كبنیة معرفیة تعري واقع مدينة بالكشف، وتقربنا من وضعیاته السكونیة ورأس نعامة مدینة مكناس المدفون ترابا .

حین نلج ببدء القراءة الوصفية لصورة مكناس الھرمیة، نجد هرما بأبعاد ثلاثیة. فالرأس الحاد الأعلى إذا جاز لنا القول بالتسمیة لوصفناه ب " مظلة اللوبي التحكمي" . لكن دلالة التسمیة تبقى غریبة عن واقع مدینة مكناس ، فمادامت ظاھرة الضغط السیاسي لا تمارس بحد سرعتھا النھائیة، وما دام تواجد دركي الدولة يفرمل من السرعة السريعة، ومادامت "مظلة اللوبي التحكمي" لا تلعب دور الوسیط الضاغط بحد القوة بین المجتمع المدني والھیاكل السیاسیة والسلطة المحلیة،  فإني أوثر لزاما تسمیته ب"رأس حربة المدینة". وھي الدلالة الوصفیة الأشد وضوحا.

فھم بالأساس من یتحكمون في كل بوابات ومداخل مكناس ، ھم خزنة المال والاقتصاد العائلي، لا تجد تموقعا  لهم لا في المكان ولا في الزمان، وإنما ھم خیوط غیر مرئیة للمصالح النفعیة / المنفعیة ، هم شبكة التبادلات المصلحیة الصریح منھا والمضمرة بالضبط.  وقد تتحد رؤیة فئة أصحاب " رأس حربة المدينة" فیما بینھم على شكل بناء "كارتل" عرفي یضمن لكل واحد منھم موقع وطء قدمه ونفوذه وحدوده الأخطبوطیة وتشعباته العنكبونیة. ھنا نحدد منشأ العلاقة غیر السویة بین المال والسياسة ومستنقع التنمیة الشاملة المؤجلة. ھنا تنشأ أسواق النفوذ بالتوابع العلقیة (نوع من الحیوانات تعیش في البرك الراكدة) والأتباع الأوفیاء، ھنا متلازمة "حكم العائلات" تحتكر المال والسلطة و الفعل السياسي المغلف بالتحكم.

 لنختم وصفنا لأصحاب امتیازات " رأس حربة المدينة" بمكناس، ونصفھم بأنھم القلة من ركائز المال المتحكم في نمذجة إعادة تأهيل المدینة. وفي كل رؤى الإصلاح منذ زمن بدء الاستقلال. لكننا نتساءل، ھل وضعیة مكناس المتردیة یستفید منھا أصحاب نفوذ المال والسیاسة ؟، ھل وضعیة مكناس المتردیة تستفید منھا بعض الأحزاب السیاسة بعينها؟، ما ھي أوجه استفادتھم من وضعیة بؤس المدینة؟ وھل لبؤس المدینة عوائد نفعیة (مالیة/ سیاسیة) ؟، ھل یمارس "رأس حربة المدينة" ضغطا على أھل الحل والعقد بمكناس ؟، ھل حقا یوجد " رأس حربة  المدينة" المالي یتحكم بخطط تنمیة مكناس التفاعلية والمستقبلية ؟.

إنھا أسئلة الإجابات المعادیة للظلم الذي یمارس علانیة على الخطط الإستراتیجیة لتنمیة مدینة مكناس. أسئلة یزید مكرھا عنفا معنویا ومادیا علینا إن فتشنا في إیجاد إجابات عنھا بالواضح، إن فشلنا في إسقاط الأقنعة للحملان الودیعة" رؤوس الحربة"، إن فشلنا من ركوب القصف النقدي و التأسیس لحكامة وإدارة التغییر بسلطة قانون المساءلة والمحاسبة.

فیما الشق الموالي فھو الثلث الثاني، ویمكن وصفھم  بفئة "ذوي الأعراف"، كیف تصح الدلالة والوصف؟ ھم الجانب الذي یشمل حصة الأتباع الأوفیاء لأسد "رأس حربة المدينة". فھم لا من أصحاب المال ولا ھم من الطبقات الشعبیة العریضة. "ذوي الأعراف"ھي الفئة التي تمتلك القدرة على تحريك إنتاج وإعادة إنتاج سیاسة السیطرة على المجتمع. ھي الفئة غیر المنتجة ولكنھا تعیش من فائض قیمة ریع " رؤوس حربة  المدينة " المتحكمة .

ومن مؤسف الحال، وھي القاعدة الثالثة الأوسع من وصفنا، وتتحدد في كثلة بؤرة التوتر، وتتكون من الطبقات الشعبیة الطموحة إلى العیش الكرامة. الطبقة التي تصطف تحت خانة قاعدة واسعة تطالب بالعدالة الاجتماعية. الطبقة التي تشبعت بمقولات الديمقراطية ومقاربة الإنصاف و تكافؤ الفرص، والتي ترى في الحریة تكسیرا لطابوا التحكم العام داخل المدینة. فئة "مستنيرة وشعبية " تخرج إلى الشارع وتطالب بالحقوق و تهيئة مجال المدينة وفق مقاربة تفاعلية  تطالب بتحسين التنافسية الاقتصادية وخلق جاذبية استثمارية للمدينة،  تطالب بالتشغيل والعمل وحماية الموارد البيئية وتسويق وجه المدينة التراثي، تطالب بعودة الریاضة المكناسیة إلى صفوف صفوة الاحتراف، تطالب بتوفير رعاية صحية سلیمة، تطالب بجودة في مداخل ومخارج المدرسة العمومية، تطالب بالسكن الإنساني...إنھا تطالب من وراء ستار الدیمقراطیة ولا تتوجه إلى الصناديق الزجاجية للتعبير عن اختياراتها الانتخابية، إنها تعبر عن نكسة الفكر السياسي المكناسي نحو فجوة الفشل. 

كل مسالك تحلیلنا الوصفي، یبین لنا ضیاع رؤیة محاربة بوابات تشعب أوجه الفساد. لما الیأس ینتابنا سواء بالعقل الفردي أو الجمعي بمكناس من مظاهر تهيئة تراب المدينة؟، لما اليأس یكسر خطواتنا نحو مستقبل أفضل ولو بالخروج إلى الشارع العام والمطالبة بتقليص الفوارق المجالية؟. نعم ، مرد تخوفاتنا تتحدد من تعدد مداخل تصور إصلاح مدینة مكناس بین المعالجة الشمولیة ورؤیة التجزيء . بین من یحرك خیوط التیئیس من كل محاولة محاربة الفساد بالمدینة، وبین من یسعون إلى بعثرة كل جھود التنمیة التفاعلية/ المندمجة عبر الاقتحام الفاشل بالتنقيط لكل منافذ المدینة الاجتماعیة والاقتصادیة والسیاسیة والثقافیة والفنیة.

للمنھج الوصفي بیان كاشف عن كل ملوثات الحیاة المجالیة بمكناس. له اليد الطولى في تعریة واقع مكناس البئیس و یكشف لنا بمتلازمة ( ادفع ) أن المال تحالف مع السیاسة وخلق منافذ فسیحة بالمدینة، وضاعت من خلاله التنمیة التفاعلية/ المندمجة. 

محسن الأكرمين متتبع للشأن المكناسي

جميع الحقوق محفوظـة © المرجو عند نقل المقال، ذكر المصدر الأصلي للموضوع مع رابطه.كل مخالفة تعتبر قرصنة يعاقب عليها القانون.
الكاتب : محسن الأكرمين
المصدر : هيئة تحرير مكناس بريس
التاريخ : 2018-01-08 23:48:59

 تعليقات الزوار عبر الفايسبوك 

 إعلانات 

 صوت و صورة 

1  2  3  4  5  6  7  8  9  المزيد 

 إنضم إلينا على الفايسبوك