آخر الأحداث والمستجدات 

سنة بعد سنة ... والمحاكاة التي لا تنتهي...

سنة بعد سنة ... والمحاكاة التي لا تنتهي...

تتركنا السنوات بالتسارع الزمني، وهي تتفنن في إنهاك الذوات وتفتيت مسننات العمر. جميعا، نبحث عن تلك السنة الآتية من المستقبل ونفرح، والأخرى عن الزمن الماضي ونتأسى، وفي الحقيقة نستهلك من أعمارنا الرتيبة أقساطا متقطعة من سلم السعادة، وحرب الألم. فحين نستوثق من صدق السنة الوافدة يفرح حتى الألم، ويُجدد حياته بإضافات من نوعيات القسوة، فيما السعادة البينية فقد تخر قعودا و تلازم مكانها بإطلالة من نوافذ رجاء حلم الأمل.

تتركنا السنوات عنوة وكرها، وحوافر من زمن القهر تدقُ الأرض سمعا مؤديا، وقد تنفر الأيام من بين الأيدي تسربا بالملل، وهي تُخلد نقوش وشم التجاعيد على حافات جسد الإنهاك. تتركنا السنة الحاضرة من بوابة البؤس المرير، وغياب قُدرة الاستغاثة الفَزِعة عند استرجاع الذكريات التي باتت جزء أساسيا من الماضي، وتُبعدُ عنَّا تاريخ الزمن الحقيقي. لحظتها، يبقى البحث جَار عن جواب لذلك السؤال العقيم: هل نحن عشنا جودة الحياة والسعادة كما هي ؟ أم رقصنا رقصة الجريح المثخن بهمِّ الحياة، وكرِّ الجسد؟

 

تتركنا السنوات الكبيسة، وتأتي السنة البسيطة مَزهوة بذات عمرها وقد تؤدي أو لا تُؤدي نعومة الجروح العميقة. تتركنا السنوات الكبيسة، وفي تراكم الأزمنة والساعات يَشتعلُ الرأس شيبا ثلجيا، ويبيت العمر يَجري بالسرعة النهائية المحفزة لنيل تزكية السعادة الخالدة (ما بعد الموت)، وقد يكون زمن حُلم الحياة يُماثل أرنب سباق لا طائل من وصوله لخط النهاية. تتركنا السنوات الكبيسة، وقد كانت تساؤلات الفلاسفة القدامى غير ما مرة تُوازي الغباء: لماذا نحن هنا نمارس الفرح والحزن؟ يكفينا، من سنة (2024) سيادة الجواب والتنظير، فالحياة الفانية قد تنتصر لروح (تراجيديا) المأساة، وتنأوا بُعدا عن (كوميديا) الملهاة الإغريقية.

 

 تتركنا السنوات في محطة (انتظار قطار غودو) الذي سيأتي أو لا يأتي. وما علينا إلا الانتظار والتسبيح (بآمين) وراء الإمام الصالح، والتعامل بحكمة مع كم كتابات المأساة عند المعلم الأول أرسطو، ومحاكاة سمعية لأغنية: (مهمومة... هاذ الدنيا مهمومة...). تتركنا الحياة سنة بعد أخرى، ونفس التساؤل يتكرر باستعراض متدفق: ما معنى الحياة في ظل حضور الألم؟ وعموما ما يبقى الجواب عالقا، ولن يقدر أحد بكفاية الإحاطة عنه. فما الفائدة من حلم حياة !! في ظل توافد السنوات العجاف الشداد؟

 

تتركنا سنة (2023) وتمضي بحقب التسارع والأحداث المُفحمة بالأحداث الملتهبة، وسيخلدها الشعب بحراك نهضة المدرسة العمومية، والدفاع عن الكرامة. تتركنا، سنة من الزمن المدرسي، وخروج الأساتذة نحو حراك الشارع العادل، ورفض مقتضيات التحكم العمودي. تتركنا الأيام الجارية، والمتعلم حاملا لمحفظته المدرسية، و ينتظر طويلا في الصف !!

 

تتركنا سنة، وقد مرت بطقس جاف، وأخرى تلوح بنضوب الماء السماوي (اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين). تتركنا سنة ونحن نستعيد إيمانا بمطالب قديمة: شعب المغرب (فِيقْ) من النعاس من (56) ما (شَفْنَا وَالُوا) من الدولة الاجتماعية !! تتركنا سنة، بكتاب الإتحاف في عتبات ما ذكر من مزايا السجل الاجتماعي، وبعقد العزم على انتشال الهشاشة، والتأسيس لمبدأ الرفاه للجميع، ونحن لا زلنا نعتقد أَلاَّ مصل يحمينا ويقينا من غلاء المغرب الأخضر، وتَغَوُل الفساد وسياسة الريع (حلال)، غير تطبيق الحكامة الدستورية والقانونية.

 

 تتركنا سنة (2023)، وقبل نهايتها تنظر الهشاشة من الدولة الاجتماعية تزويد حساباتها البنكية بالدعم المالي. تتركنا سنة (2023)، وشعب غزة فلسطين يحترق بمفرقعات الحرب. تتركنا سنة النكسة العربية، وقد تنتهي الحرب، و لكن غزة لن تموت أبدا. تتركنا سنة (2023)، وقد علمتنا التجارب أن (لي اكْلاَ حَقُوا يَمْسَحْ فَمُو ... ويغمض عَنِيهْ).

جميع الحقوق محفوظـة © المرجو عند نقل المقال، ذكر المصدر الأصلي للموضوع مع رابطه.كل مخالفة تعتبر قرصنة يعاقب عليها القانون.
الكاتب : محسن الأكرمين
المصدر : هيئة تحرير مكناس بريس
التاريخ : 2023-12-30 10:29:19

 تعليقات الزوار عبر الفايسبوك 

 إعلانات 

 صوت و صورة 

1  2  3  4  5  6  7  8  9  المزيد 

 إنضم إلينا على الفايسبوك