Omrane

 آخر الأحداث والمستجدات 

الكاتب الإقليمي لحزب المصباح يكتب : ميزانية جماعة مكناس 2026..مصادقة شكلية على إيقاع تشرذم سياسي واحتباس تنموي

الكاتب الإقليمي لحزب المصباح يكتب : ميزانية جماعة مكناس 2026..مصادقة شكلية على إيقاع تشرذم سياسي واحتباس تنموي

قبل الخوض في الموضوع، منهجيا لدينا ثلاث زوايا للمقاربة:

الأولى زاوية القانون التنظيمي 113.14 و الثانية زاوية المذكرة التأطيرية لوزير الداخلية الخاصة بأولويات الجماعات في إعداد الميزانيات السنوية لسنة 2026. والثالثة برنامج العمل و تقارير التفتيش المتعلقة بربط المسؤولية بالمحاسبة و الحكامة التدبيرية لشؤون الجماعات.

ولدينا سياقان محددان، الاول الخطاب الملكي الافتتاحي للبرلمان حيث تزامن مع انعقاد المجلس و الثاني احتجاجات جيل z حيث مكناس واحدة من المدن التي عرفت خروج الشباب إلى الشارع العام و سجل تدخلات أمنية و اعتقالات و محاكمات ما تزال جارية على خلفية مطالب اجتماعية تتعلق بالصحة والتعليم والشغل.

صحيح انه صادق مجلس جماعة مكناس على مشروع ميزانية سنة 2026 (قد تكون قراءة أولى تحتاج بعد المراقبة الإدارية لقراءة ثانية)، لكن بعدد من الأصوات لا يتجاوز نصف الأعضاءالبالغ عددهم 61 عضوا، في مشهد يعكس حالة من الانقسام الداخلي والسخط السياسي داخل الأغلبية/ الأقلية المسيرة كما لدى المعارضة.

وفي تقديري هذه النتيجة تطرح تساؤلات عميقة حول طبيعة التوافق داخل المجلس، الذي يفترض أن يكون سياسي بالدرجة الأولى مستقو بمرجعية اخلاقية تعلي من قيم الالتزام والمسؤولية وهو ما ليس مؤكد في حالة مكناس.

و عليه ، و بعد المصادقة الشكلية يتعين الان أن نطرح السؤال التالي على السيدات و السادة أعضاء المجلس:

هل الميزانية التي انتتقد الجميع مسار اعدادها والارقام غير الواقعية التي تضمنتها تمثل فعلًا تعبيرًا عن رؤية جماعية لتدبير المدينة أم مجرد تمرين شكلي لتجاوز الإكراهات الزمنية القانونية.

دعونا ننظر من زاوية القانون التنظيمي 113.14 الذي ينص على أن إعداد الميزانية يجب أن يتم في إطار الشفافية، والمشاركة، وربط المسؤولية بالمحاسبة، فالذي يبدو جليا أنه لم يستوفى بالكامل، فالميزانية اعدت من طرف جهة تقنية، ولم تناقش في اللجان الدائمة للمجلس، ولم يتم استشارة لجنة المناصفة و تكافؤ الفرص، فضلا عن عدم الادلاء بالبيانات المحاسبة والمالية التي يتعين أن تشكل جزء من مرحلة التحليل و الاعداد، ولم يتم تقديم رؤية متكاملة بشأنها تقوم على البرمجة الثلاثية وربط الاعتمادات المالية بالبرامج المدققة، وبمؤشرات القياس الخاصة بالنجاعة ولاسيما بمصفوفة قيادة لتنزيل توصيات و ملاحظات لجان التدقيق و المراقبة.

والخلاصة أننا أمام إعداد للمشروع في مسار يغلب عليه الطابع التقني على حساب البعد التشاوري والسياسي إفرغ الوثيقة المالية من مضمونها الديمقراطي.

 

لنترك القانون التنظيمي جانبا، فقيه نقاشا قانونيا كبيرا يهم شكليات و مسطرة المصادقة قد يثار في مكانه وزمانه، ونسأل، ماذا عن التوجيهات المركزية المحددة بدورية وزير الداخلية وهاجس الحكامة المالية؟ .

في رسالته التأطيرية الموجهة إلى الجماعات الترابية حول إعداد ميزانيات سنة 2025، شدد وزير الداخلية على ضرورة ترشيد النفقات الجارية، وتقوية المداخيل الذاتية، وتوجيه الموارد نحو الاستثمار المنتج والخدمات الأساسية.

غير أن القراءة الأولية لميزانية مكناس تظهر ضعفًا في استيعاب هذه التوجهات، إذ استمر الاعتماد الكبير على التحويلات المركزية، مع محدودية في تنويع مصادر التمويل المحلي أو في إدماج مقاربة الابتكار المالي، وهي امكانات أصبحت متاحة للجماعات وفق قوانين وإجراءات تحرص وزارة الداخلية والمالية على مراقبتها والمصادقة عليها.

لذلك ، ما لاحظه بعض المستشارين هو انه لا تزال فصول الميزانية تعكس هيمنة الطابع التدبيري اليومي على حساب الرؤية الاستراتيجية، ووجود مصاريف للتسير ذات أهداف سياسية إنتخابية ليست من اولويات المكناسيين، بل انها لم ترقى إلى الإجابة على الطلب الكبير على خدمات القرب التي يؤدي ضريبتها المواطن المكناسي، مما يجعل المدينة غير قادرة على تحويل مواردها إلى رافعة فعلية للتنمية المحلية أو لتحسين جودة العيش داخل المجال الحضري في النقل والنظافة والإنارة والحدائق والسير والجولان والمقابر والتنشيط التجاري والسياحي والطرق ودور الشباب و… ليبقى مكناس في حالة من الاحتباس التنموي، و التراجع مقارنة مع ما يتحقق في المدن المماثلة أو القريبة من مكناس.

بين برنامج العمل والمشاريع القطاعية: الفجوة قائمة.

تعهدت جماعة مكناس في برنامج عملها بإطلاق عدد من المشاريع المهيكلة في مجالات النقل الحضري، والنظافة، وتثمين التراث، وجلب الاستثمار. لكن الواقع المالي الجديد يُظهر أن الترجمة الميزانياتية لهذه الالتزامات ما تزال محدودة، وأن التعاون مع القطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية لم يتحول بعد إلى برامج مندمجة بتمويلات واضحة وآجال محددة.

هذا الضعف في التنسيق بين البرمجة المالية والبرامج القطاعية يجعل من الصعب تحقيق الانسجام المنشود بين الجماعة وشركائها المؤسساتيين، ويؤشر على غياب رؤية مالية تراكمية قادرة على إعطاء نفس جديد للتنمية الحضرية بمكناس ، ومواصلة او استكمال البرامج التي سبق اعتمادها.

 

واقع مكناس: الخطاب الملكي واحتجاجات الشباب… رسائل تتقاطع

 

جاء الخطاب الملكي الافتتاحي للبرلمان ليؤكد على أولوية إعادة الثقة في العمل السياسي، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وتجديد النخب.

غير أن المشهد المحلي بمكناس، بما فيه من انقسام داخل المجلس وضعف في التعبئة الجماعية حول مشروع الميزانية، وغياب نقاش جدي لها، يعكس استمرار فجوة الثقة بين الفاعلين والمؤسسات الترابية.

هذه الفجوة تتقاطع مع احتجاجات جيل Z التي عرفتها عدة مدن مغربية، والتي تعبر عن وعي جديد يبحث عن كفاءة وشفافية في التدبير، لا عن تبريرات أو صراعات داخلية.

وهنا، و هنا بالضبط ، تصبح الميزانية أكثر من مجرد وثيقة مالية: إنها اختبار حقيقي لمصداقية المنتخبين وقدرتهم على تمثيل التحولات الاجتماعية في منطق الإدارة العمومية المحلية.

 

مكناس، نحتاج الى البحث عن توازن جديد.

لست مولعا بالارقام، اذ يمكن للمجلس في إطار سياسة إرادية للتواصل المؤسساتي أن يضع المشروع أمام الجميع الاطلاع، ونقل وقائع المناقشات للعموم، لكن ومن خلال هذا السياق، يبدو أن ميزانية جماعة مكناس لسنة 2026، رغم المصادقة عليها، تخفي في طياتها أزمة توازن مزدوجة:

توازن مالي هش بين النفقات والمداخيل سيفاقم العجز الاستثماري والاخفاق في تنفيذ برنامج العمل الجماعي،

وتوازن سياسي مؤسساتي مفقود بين مكونات المجلس من جهة والرأي العام المكناسي وفي مقدمته شباب جيل Z من جهة أخرى.

إن تجاوز هذه الوضعية يتطلب تجديدًا في أدوات الحكامة، وإعادة بناء الثقة بين المنتخبين والمواطنين، وإرساء تعاقد جديد بين الإدارة والمجتمع المحلي، يكون قوامه الشفافية والفعالية في الإنفاق العمومي.

عبد السلام الخالدي، باحث في القانون العام.

جميع الحقوق محفوظـة © المرجو عند نقل المقال، ذكر المصدر الأصلي للموضوع مع رابطه.كل مخالفة تعتبر قرصنة يعاقب عليها القانون.
الكاتب : هيئة التحرير
المصدر : هيئة تحرير مكناس بريس
التاريخ : 2025-10-14 20:19:05

 تعليقات الزوار عبر الفايسبوك 

 إعلانات 

 صوت و صورة 

1  2  3  4  5  6  7  8  9  المزيد 

 إعلانات 

 إنضم إلينا على الفايسبوك