آخر الأحداث والمستجدات
احتجاجات جيل زيد.. بين المطالب المشروع والانحراف عن المسار انطفأت شمعة الحركة
أسبوع بعد آخر، يتبدى للمتتبعين أن صوت احتجاجات جيل Z بدأ يخفت تدريجيا، رغم أن المطالب التي رفعتها في بداياتها كانت محطّ إجماع وطني واسع، وتعاطف معها مختلف فئات الشعب المغربي. بل لقيت صدىً إيجابيا حتى لدى أعلى سلطة في البلاد، جلالة الملك محمد السادس، الذي أعطى توجيهاته بإطلاق حزمة من القرارات والإصلاحات شملت قطاعات الصحة والتعليم وخلق فرص الشغل، إلى جانب مبادرات لتحفيز الشباب على الانخراط في العمل السياسي والمؤسساتي، إيمانا من الدولة بأن التغيير الحقيقي يُبنى من داخل المؤسسات لا عبر الشعارات والفضاءات الافتراضية.
لقد شكّلت احتجاجات جيل Z شرارة حرّكت المياه الراكدة في عدد من القطاعات الحيوية، وأسهمت في تسريع وتيرة تنزيل مشاريع مهيكلة خُصصت لها مليارات الدراهم. كما دفعت عددا من الوزراء إلى النزول الميداني ومواكبة الأوضاع عن قرب، ما أفرز قرارات جريئة يُنتظر أن تترك أثرا ملموسا في تحسين خدمات الصحة والتعليم العمومي.
غير أن هذه الدينامية لم تدم طويلا، إذ سرعان ما انحرفت بعض مكونات الحركة عن أهدافها الأصلية — المتمثلة في الصحة والتعليم والتشغيل ومحاربة الفساد — لتتحول لدى فئة منها إلى فضاء للتجاذب والمزايدة. وبرزت على مواقع التواصل صفحات وحسابات، معلومة وأخرى مجهولة، تبتكر كل يوم مطلبا جديدا بعيدا عن الجوهر، بلغت حدّ الدعوة إلى مقاطعة مباريات المنتخب الوطني أو التشكيك في كل إنجاز يحققه الوطن، حتى وإن حظي باعتراف دولي واعتُبر سابقة في التاريخ الرياضي الوطني والعربي، كتتويج أشبال الأطلس بكأس العالم بالشيلي.
كما أخذت بعض الأصوات منحى تبخيسيا أكثر انحرافا لكل مبادرة وطنية أو مدنية، حتى تلك الصادرة عن جمعيات أو فاعلين مستقلين، وأصبح التعبير عن الاعتزاز بالانتماء للوطن يُقابَل بالتهكم والنعوت الساخرة مثل “الزلايجية” و“العياشة”، وهي مفردات صارت متداولة على نحوٍ يعكس تراجع النقاش العقلاني لصالح خطاب التحقير والانقسام.
هذا الانحراف كشف بوضوح زيف بعض الشعارات التي رفعها من يقدمون أنفسهم كقادة لحركة جيل Z، خصوصا أولئك المقيمين بالخارج الذين ينشطون تحت أسماء مستعارة في غرف تطبيق “ديسكورد”، ويوجّهون النقاش نحو مهاجمة كل ما هو وطني بدل الدفاع عن المطالب الاجتماعية. وقد أدى ذلك إلى تراجع التعاطف الشعبي مع الحركة وانسحاب كثير من مناصريها الأوائل الذين رأوا أن المسار انحرف عن غايته النبيلة.
ومع خفوت الصوت الافتراضي، بدأ صوت الواقع يعلو، واقع يدعو الشباب إلى الانخراط الإيجابي في العمل السياسي، والمشاركة الفعلية في محاربة الفساد وتجويد الخدمات العمومية، عبر القنوات المشروعة والمتاحة أمام كل فرد من أفراد الوطن، أي عبر المؤسسات التي تعتبر في كل بلد ديمقراطي أساس كل تغيير، لما تتيحه من تأثير حقيقي ومستدام في حياة المواطنين.
| الكاتب : | المكناسي عثمان |
| المصدر : | هيئة تحرير مكناس بريس |
| التاريخ : | 2025-10-29 23:28:13 |












