آخر الأحداث والمستجدات 

تخليدا للذكرى 77 لانتفاضات ماء وادي بوفكران بمكناس

تخليدا للذكرى 77 لانتفاضات ماء وادي بوفكران بمكناس

فاتح وثاني شتنبر من كل سنة يخلد الشعب المغربي قاطبة، وسكان مدينة مكناس على الخصوص، وأسرة المقاومة وجيش التحرير، والحركة الوطنية ذكرى انتفاضة معركة ماء وادي بوفكران (نهر فلفل) أو ما يصطلح عليها عاميا " كيرة الماء الحلو" والتي كانت ساحة الهديم بمكناس مسرحا لها يوم ثاني شتنبر 1937 .

لم يكن المستعمر الفرنسي يتوقع أنه سينتفض سكان مكناسة الزيتون إثر إقدام سلطات الاستعمار على توزيع ماء وادي بوفكران بين المعمرين حيث عملت على إحداث لجنة لتنفيذ هذا القرار الصادر في 12 فبراير 1937، إذ جرى بمقتضاه تحويل جزء مهم من هذه المياه لسقي أراضي المستعمر المغتصبة، لكن السكان رفضوا هذا التوزيع الذي اعتبروه جائرا في الوقت الذي كانت فيه البلاد تعيش حالة جفاف وفقر وبؤس.

ولم تسفر الاحتجاجات والاتصالات التي أجراها ممثلو السكان مع السلطات الفرنسية وقتها من أجل حل الأزمة الخانقة التي يعاني منها المكناسيون جراء النقص في الموارد المائية، وفرض عليهم ضرائب مجحفة بالإضافة إلى الممارسات القمعية التي كان يمارسها المستعمر عليهم.

لذلك أثبت المكناسيون قوة صمودهم، ومبادئهم النضالية ، فلم يتقبلوا أنواع الذل والهوان والرضوخ لسلطة الاحتلال، سواء استعملت أسلوب المكر والاحتيال، أو لجأت إلى لغة القوة والنار، فقاوم السكان غطرسة الأجنبي يوم فاتح شتنبر 1937 بتنظيم مظاهرة سلمية احتجاجا على إبعاد السلطات الفرنسية ممثلي المدينة على المشاركة في أشغال اللجنة المكلفة بتوزيع ماء بوفكران لفائدة معمري (تانوت) .

وفي صباح يوم ثاني شتنبر بعد إصدار باشا المدينة آنذاك أحمد السعدي الحكم بالسجن على 5 من الوطنيين بدل 63 الذين كانوا يتزعمون هذه الاحتجاجات، أعطى الجنرال "غايو" أوامره للباشا السعدي الموالي للوطنيين، إصدار الحكم بثلاثة أشهر حبسا نافذا في حق هؤلاء الخمسة، وجاء رد السكان في حينه وكما كان تتوقعه الحماية الفرنسية، فتقرر أن تتوجه لجنة إلى مقر الباشا المذكور للاستفسار عن أسباب سجن هؤلاء، وفي نفس الوقت توجهت حشود أخرى إلى ساحة الهديم، فاندلعت الاصطدامات بين القوات القمعية التي استعملت الرصاص الحي فنتج عن ذلك قتلى وجرحى في صفوف كلا الطرفين، كما صاحبت هذه الأحداث موجة اعتقالات صدرت في حقهم أحكام جائرة طبقا لقانون 29 يونيو 1935 الخاص بضبط النظام، وكل ما من شأنه الإخلال بالنظام، فاعتقل ما يناهز 83 شخصا، وحكم على الجميع حكما نهائيا غير قابل الاستئناف بربع قرن من السجن، وزع فيما بينهم بحسب التهم المنسوبة تقول كتب التاريخ.

وانتهت مجزرة 2 شتنبر 1937 ، وبقي المجتمع المكناسي يجتر عدة مآسي اجتماعية واقتصادية، وبادرت القيادة الوطنية بجميع أنحاء المغرب إلى التضامن مع ساكنة مكناسة الزيتون وإدانة القوات القمعية الفرنسية، وفي طليعة المنددين والمحتجين كان المرحوم الزعيم علال الفاسي، والمرحوم محمد بن حسن الوزاني ومحمد اليزيدي وآخرون، كما طالبوا المجتمع الدولي بفتح تحقيق نزيه لمحاكمة من أعطى الأوامر لفتح النار على المواطنين العزل.

والواقع أن هذه الأحداث أراقت مداد كثيرا وخلفت أصداء واسعة داخل الوطن وخارجه وأثارت موجة من الحماس الشعبي، واستقطبت اهتمام صحافة العصر وزخر الأرشيف الفرنسي المحفوظ بمركز الوثائق الديبلوماسية بمدينة نانط nantes الفرنسية، بمواد غزيرة عن هذه الانتفاضة التي هزت كيان إدارة المستعمر، وأعطت إشارة انطلاق وتصعيد ضد سياسة القهر والبطش، إذ حظيت باهتمام المؤرخين والكتاب المغاربة والأجانب الذين عايشوا هذه الوقعة، وأعطوها نفس الاعتبار التي كانت تكتسيه نضالات الكتل الشعبية المغربية، وقامت صحافة هذه الفترة الصادرة بفاس، وسلا، والرباط، وتطوان، بتنوير الرأي العام الحلي والوطني والدولي، ومتابعة الأحداث عن كتب ونقل جرائم فرنسا وفظائعها، ناشرة المقالات والعرائض التي وقعتها الجماهير الشعبية متحدثة عن مظاهرة فاتح شتنبر، ومواجهات الثاني منه العنيفة، واستشهاد واحتجاز وجرح عدد من المواطنين الغيورين الذين صنعوا أحداث مكناس بالمقاومة الجياشة.

ووفق ذلك ركزت جل الجرائد الوطنية على المطالب المشروعة وتمحورت موضوعاتها حول: الصراع بين الحق والباطل – مطالبانا ومطالبهم- نريد سياسة حرية ورقي لا سياسة إدماج وحكم مباشر – عودة العصور الغابرة – المغرب بين الحاضر والماضي – سياسة الوعود بعدها إعصار – لسنا بمهيجين ولكننا طلاب حق وحماة شعب – بئس أمة قوامها العسف والاستغلال- حركتنا بين القذف والوعيد – من فاجعة إلى فاجعة – مجمل السياسة القومية ضمانة للسيادة القومية – يلزم أن لا يظل الشعب المغربي عنصرا من عناصر ثروة الاستعمار – الوفد المكناسي يقدم لجلالة الملك المغفور له محمد الخامس تقرير مفصل عن مأساة مكناس – الصراع بين الحق والباطل – الحق فوق القوة-

من هذه العناوين الصحفية ومن خلال مقالاتها تظهر قوة الإرادة الوطنية الجو المزعوم الذي خلقته الصحافة المغربية أنداك وكيف أصبح المستعمر الفرنسي أمام هذه المجابهة للحقائق فسعى جاهدا هو الآخر إلى تزوير هذه الحقائق وقلبها في الصحف المأجورة الموالية له ، لكن الجرائد والصحف المغربية تكلفت بالرد عليها وانتقادها مثل جريدة الشعب، والأطلس ، والدفاع، والريف، والوحدة المغربية، والحرية، كما صادرت سلطات الاستعمارية بعض المقالات واحتجزت بعض الصحف وخاصة في الأيام الموالية للانتفاضة المكناسية.

وتجدر الإشارة إلى أن أحداث بوفكران الدامية أدت إلى تفجير غضب رجل الشارع المغربي والمقاومة الوطنية، وكشفت عن حقيقة نوايا نظام الحماية الفرنسية باعتباره اعتداء صارخا على سيادة البلاد التي كانت تئن تحت وطأة الاحتلال الأجنبي الذي مارس الاضطهاد على نطاق واسع، فارتفعت الأصوات المنددة في كل الأصقاع المغربية احتجاجا على تصرفات الاستعمار الفرنسي.

ويبقى يوم ثاني شتنبر 1937 موعد دموي غير معروف لدى شباب اليوم، لذلك وجب أن تعطى لهذا اليوم وخاصة في مدينة مكناس ونواحيها ما يستحقه من عناية حتى يستوعب الجميع الدرس المستوحى من هذه المعركة الخالدة التي كانت بداية نمو الفكر الوطني القومي الذي بدأ يرتقي رغم الانتكاسة التي عرفتها الحركة الوطنية المغربية في نهاية سنة 1937 وذلك باعتقال ونفي أهم أطرها وسجنهم داخل الوطن وخارجه،وعلى إثر ذلك قامت نضالات واحتجاجات ومواقف بطولية سجلها المواطن المغربي بكل فخر واعتزاز إلى أن صد المستعمر الفرنسي عن أراضيه دون رجعة.

الخياطي الهاشمي

جريدة العلم

جميع الحقوق محفوظـة © المرجو عند نقل المقال، ذكر المصدر الأصلي للموضوع مع رابطه.كل مخالفة تعتبر قرصنة يعاقب عليها القانون.
الكاتب : الخياطي الهاشمي
المصدر : جريدة العلم
التاريخ : 2014-09-02 13:16:00

 تعليقات الزوار عبر الفايسبوك 

 إعلانات 

 صوت و صورة 

1  2  3  4  5  6  7  8  9  المزيد 

 إنضم إلينا على الفايسبوك