آخر الأحداث والمستجدات 

مقومات نجاح مشروع مكناس الكبير (الجزء 1)

مقومات نجاح مشروع مكناس الكبير (الجزء 1)

تشكل الرهانات المطروحة على مستوى المجالات الحضرية بالمغرب، وواقع الحال المزري الذي باتت تطرحه على كافة المستويات، وفشل مختلف المقاربات والسياسات المعتمدة للحد من نزيف الأزمة الحضرية، فرصة لإعادة التفكير والبحث عن مقاربات ناجعة وفعالة للتدخل، فواقع المدينة المغربية اليوم يتميز بالعديد من الاختلالات التي يمكن ملامسة آثارها السلبية في كل المجالات، فالمجال الحضري كما نراه اليوم، هو حصيلة لسيرورة تحضر سريع وغير متحكم فيها غذتها بالخصوص الهجرة القروية الكثيفة، وتبدو مؤشراتها بارزة على مرفولوجية المدينة وعلى عمق نسيجها الاجتماعي والاقتصادي وعلى تدبيرها ونمط حكامتها.

ويأتي برنامج تنمية مكناس الكبير{2015 ـ2020}  في ظل غياب رؤيا واضحة للتنمية يتقاسمها مختلف الفاعلون المحليون من جماعات ترابية،والمصالح غير الممركزة للدولة،والمجتمع المدني وغيرها، ويواجه مجال مكناس الكبير عدة تحديات اقتصادية واجتماعية ومجالية بالرغم من توفره على مؤهلات هامة بشرية وتاريخية وثقافية وسياحية وطبيعية واقتصادية، وقد ترتب عن هذه الوضعية تراجع في جاذبية المجال وتباطؤ في قدرته على إحداث الشغل وإنتاج الثروة ، ومن هنا أضحى ضروريا إعداد برنامج للتنمية ينبني على أساس تشاوري وتشاركي ، يساهم فيها كل الفاعلين لتوحيد الجهود والعمل على التقائية مختلف البرامج التنموية.

ويرتكز موضوع برنامج تنمية مكناس الكبير على ثلاث مرتكزات أساسية،أولها إنجاز تشخيص مجالي،يليها بلورة رؤيا متعددة المحاور الإستراتيجية،أما المرتكز الثالث فيتمثل في وضع برنامج عمل أني (2015)، وأخر على مدى المتوسط(2016-2020).

ليس برنامج مكناس الكبير إستراتيجية كاملة تحتوي على مختلف الحلول لمعالجة وضعية التراب، بل تشكل غاية تبحث عن وسائل تندرج في إطارها لمقاربة التراب وبلوغ الأهداف المسطرة.

ويتوقف نجاح مشروع مكناس الكبير على مدى عمق وتجدر الشراكة التي تجمع مختلف فرقاء المدينة، فتماشيا مع الخطاب الجديد الذي ينبني على حكامة التدبير المحلي للمشاريع و الذي أحدث قطيعة مع التدبير الأحادي للدولة المركزية وتدخلها في كل القضايا التي تعني بالمجال، فالشراكة بين القطاعين العمومي والخاص تفرض نفسها فمقاولات القطاع الخاص ملزمة بأن تضع كل خبراتها رهن إشارة السلطات المحلية، كما يفترض منها أن تتقاسم مع الطرف العمومي قسطا من المجازفة المالية، عكس ما كان سائدا حيث يقتصر مسلسل الشراكة على مبادرات الفاعلين الخواص.

فالشراكة إذن بين إدارات الدولة والجماعات المحلية والأوساط الاقتصادية والمؤسسات الشبه عمومية والفاعلين الخواص يجب أن تنبني على أشكال تنظيمية محلية متميزة، تتماشى والعلاقات التي يجب ربطها بين الفرقاء.

 وقد عرفت العقود الأخيرة تنامي الوعي بضرورة الانفتاح على العنصر السكاني في كل القضايا التي تهم الحياة ومجال عيشه، فما دامت كل التدخلات التي تتم بالمجال تشكل فيها الساكنة الحلقة التي تدور في إطارها كافة المبادرات التي يتمحور جلها حول توفير سبل العيش الكريم وتوفير الإطار الملائم للعيش، فمن هنا أصبحت مسألة إدخال السكان كشريك في كل عمليات التهييئ وإنتاج المجال أمرا تفرضه الرهانات الجديدة التي جعلت من العنصر السكاني شريكا استراتيجيا في كل العمليات التي تخص تدبير المجال.

و الواقع أن أنشطة التشاور مع السكان وإشراكهم يشكل خطا أفقيا يخترق صيرورة بناء مقاربة تصورية للمشروع منذ بدايته حتى تحقيقه لكامل الأهداف المسطرة، غير أن الإشكال الذي يطرحه إدماج العنصر السكاني كفاعل هو، هل بالإمكان أن تشارك كل ساكنة الحيز الترابي المعني بالتهيئة في مشاورات المشروع ؟.

يطرح هذا النوع من التشاور الواسع النطاق يستحيل تحقيقه، وكبديل يطرح  صيغة يتم بها إدماج هذه الساكنة في التشاور والتواصل، من خلاله تمثيلها عن طريق جمعيات المجتمع المدني ووداديات الأحياء. ومن خلاله يبرز لنا الدور الجديد الذي أصبحت تطلع به الساكنة في مساهمتها في إنجاح المشروع ، فالشراكة بين القطاع الخاص والعام لم تعد كافه لبلوغ أهداف التنمية الترابية، ولا يمكن أن تتحقق دون مساهمة ومشاورة موسعتين مع الساكنة، لذا فإن إدماجهم في المشاريع يختلف حسب التقاليد الثقافية المحلية ونوعية المشاريع. ويفرض إنجاح البرامج التنموية كذلك منتخبا ذي تكوين وثقافة سياسية غيور على تنمية جماعته،يتحلى بروح المسؤولية ، وشعور الاعتزاز بالهوية المحلية والانتماء الوطني،

وينبغي أن تنكب أية إستراتيجية على تنمية الجماعات الضاحوية على معالجة الإكراهات والتحكم في معيقات التنمية أولا، وأن تحافظ على التوازنات المحلية ثانيا، ثم تخلق دينامية إقتصادية وإجتماعية مستديمة.ولكن يظهر الواقع الحالي الذي يتسم بالخلل والضعف،ومشاكل متراكمة ومستعصية تستوجب حلولا مستعجلة، أكثر مما يظهر من عناصر قوة يمكن تسخيرها لتحقيق تنمية محلية تخدم مصالح المجال الحضري والقروي، من خلال تنمية تدخل تغييرات على مجال عانى من العزلة والفقر والأمية ونقص التجهيز، وتدنت ثقة سكانه في أنفسهم وفي كل الأجهزة المعنية بالتنمية، وازداد شعورهم بالغبن والحرمان، لا يستطيعون تحمل تكاليف بناء سكن لائق وربطه بالماء والكهرباء، ولا ولوج الخدمات الاجتماعية.

إن تنفيذ أي مشروع تنموي يجب يراهن على تغيير العقليات والممارسات المجالية، وأن يحاول جمع وتعبئة مختلف الفاعلين لتحمل مسؤولية أي انحراف للمشروع عن أهدافه.

وخلاصة القول، إن الحكامة المحلية ركيزة أساسية في مقاربة التنمية، وذلك عبر تعزيز الدور المرتبط بتكوين صانعي القرار وتنمية الشراكة والتعاون اللامتمركز ونشر قيم جديدة للمساءلة والتقييم.

 

شورافي محسن

باحث في قضايا التعمير وتنمية المدينة

جميع الحقوق محفوظـة © المرجو عند نقل المقال، ذكر المصدر الأصلي للموضوع مع رابطه.كل مخالفة تعتبر قرصنة يعاقب عليها القانون.
الكاتب : شورافي محسن
المصدر : هيئة تحرير مكناس بريس
التاريخ : 2015-05-16 13:15:14

 تعليقات الزوار عبر الفايسبوك 

 إعلانات 

 صوت و صورة 

1  2  3  4  5  6  7  8  9  المزيد 

 إنضم إلينا على الفايسبوك