آخر الأحداث والمستجدات
الأستاذ الجامعي رشيد أمين يكتب : من أجل إنصاف الجامعة المغربية وأساتذتها الشرفاء

في الأيام الأخيرة، اهتز الرأي العام بسبب التجاوزات التي مست نزاهة بعض المسالك الجامعية، خاصة ما يتعلق ببيع الشهادات أو الولوج غير المشروع لبعض الطلبة إلى سلك الماستر أو الدكتوراه. لا أحد ينكر خطورة هذه القضايا، ولا أحد يقبل أن تتحول الجامعة المغربية إلى فضاء للمحسوبية أو الفساد، ولكن في خضم هذا الغضب الشعبي، علينا أن نُميّز بين من أخطأ فعلاً، وبين مؤسسة بأكملها تضم آلاف الأساتذة والباحثين والطلبة النزهاء.
من الظلم أن يُطلق البعض أحكاماً عامة تمس بسمعة الجامعة المغربية وكل من ينتمي إليها بسبب حالات معزولة. فهل يُعقل أن ننسى آلاف الأطر التي تخرجت من جامعاتنا وتُسير اليوم قطاعات حساسة؟ هل نُنكِر وجود أساتذة مغاربة نشروا أبحاثاً علمية في أرقى المجلات الدولية؟ هل نغمض أعيننا عن الباحثين الذين يسهرون على تأطير طلبتهم بكل تفانٍ رغم ضعف الإمكانيات وكثرة التحديات؟
الجامعة المغربية، رغم ما تعانيه من خصاص في الموارد، وضغط ديمغرافي، وإكراهات بيروقراطية، لا تزال فضاءً حيًّا ينتج العلم، ويأطر العقول، وتتخرّج منه الكفاءات. منها تخرج الوزراء، والقضاة، والمهندسون، والأطباء، والباحثون، والأساتذة الجامعيون الذين يشتغلون في أرقى جامعات العالم. منها انطلقت أبحاث نُشرت في كبريات المجلات، وبراءات اختراع، ومساهمات فكرية غيرت الواقع ونظرت للمستقبل. فكيف نسمح لأنفسنا اليوم بأن نختزل كل هذا المجد في تصرفات فردية، وملفات ما زالت قيد التحقيق؟
ما نراه على مواقع التواصل الاجتماعي من "انتقادات" ليس دائماً بريئاً. فالكثير ممن لم يُوفَّق في ولوج الماستر أو الدكتوراه يحمّلون مسؤولية فشلهم للجامعة والأساتذة ويتهمون الجميع بالفساد. الحقيقة المُرّة هي أن بعض هؤلاء لم ينجحوا لا لأن هناك من أخذ مكانهم، بل لأنهم لم يكونوا مؤهلين أكاديمياً أو لم يبذلوا الجهد الكافي. هناك فساد كباقي المجالات وهناك أساتذة و أطر شرفاء و النقد البنّاء مطلوب، لكن جلد الذات والتشهير بالجميع دون أدلة لا يخدم إلا من يُريد ضرب الجامعة العمومية لصالح مصالح أخرى.
نحن لا ندافع عن الفساد ولا عن من يستغل منصبه لتمرير أجنداته الشخصية. بل على العكس، نطالب بفتح تحقيقات شفافة في كل الملفات، ومحاسبة كل من ثبت تورطه، أستاذاً كان أو مسؤولاً إدارياً أو طالباً. لكن في الوقت نفسه، يجب حماية سمعة الشرفاء الذين يعملون بضمير، ويحترقون في صمت من أجل أن تبقى الجامعة المغربية منارة للعلم والمعرفة.
إن مسؤولية الكشف عن الحقيقة ومعاقبة من ثبت تورطهم تقع أولاً وأخيراً على عاتق القضاء، والمؤسسات المعنية بالرقابة والتقويم. أما أن يتحول الفضاء الأزرق إلى محكمة افتراضية، و مكان للتشهير، يقذف فيها الناس بالباطل، ويُحاكم فيها الشرفاء بتدوينات سطحية، فذلك مسّ خطير بأبسط مقومات دولة القانون.
من الحكمة ألا يركب البعض موجة الاتهامات، ولا يزكي الشائعات، بل أن ينتظر ما ستسفر عنه التحقيقات الرسمية، ويثق في المؤسسات، ويرتقي بمستوى النقاش بعيداً عن التشفي والتعميم.
إصلاح الجامعة لا يتم بالسب والشتم، بل بالحوار، بالنقد الهادف، وبالاعتراف بمجهودات من يستحق. لنجعل من هذه الأزمة فرصة لمراجعة المساطر، وتعزيز النزاهة، وتقدير من ضحى ويُضحي من أجل أن تبقى الجامعة المغربية فضاءً حقيقياً للعلم، ولتخرّج الأطر والكفاءات التي تحتاجها البلاد.
وفي الختام، تبقى الجامعة المغربية عنواناً لِمَا هو ممكنٌ في هذا الوطن، رغم الإكراهات، ورمزاً لصمود العقل أمام تيارات التبخيس والتشويه. لسنا دعاة صمت أمام الفساد، ولسنا ممن يبرر الخطأ أو يحمي المُسيء، لكننا كذلك لن نكون شهود زور في محكمة الفيسبوك، ولن نسمح أن يُهان الشرفاء ويُشكك في نُبل رسالتهم لأن البعض قرر تصفية حساباته مع مؤسسة لم ينل منها الاعتراف.
فلنحفظ للجامعة هيبتها، وللأستاذ كرامته، وللعدالة مكانتها. ولنجعل من النقد طريقاً للإصلاح، لا مطيّة للتشهير. فالجامعة كانت، وستظل، منارةَ الوطن، وحارسةَ فكره، وراعيةَ أحلامه.
رشيد أمين
أستاذ بجامعة مولاي اسماعيل
الكاتب : | رشيد أمين |
المصدر : | هيئة تحرير مكناس بريس |
التاريخ : | 2025-05-19 22:28:14 |